المغرب بين تحديات الخارج وصلابة الجبهة الداخلية: قراءة في الراهن الوطني
مجدي فاطمة الزهراء
منذ ملحمة المسيرة الخضراء سنة 1975، شكّل الشعب المغربي نموذجًا استثنائيًا في قدرته على التلاحم حول العرش العلوي دفاعًا عن وحدته الترابية. لقد لبّى المغاربة نداء الملك الراحل الحسن الثاني بوعي جماعي، وترجموا المفهوم العملي لـ”الإجماع الوطني” حين وضعت الأحزاب السياسية خلافاتها جانبًا وانخرطت في معركة التحرير، مما منح الدولة قوة داخلية صلبة مكنت من مواجهة حرب استنزاف طويلة وفتح آفاق لبناء مغرب جديد.
اليوم، وبعد مرور نصف قرن تقريبًا، يواجه المغرب تحديات من طبيعة مغايرة، لكنها لا تقل خطورة: أجندات دولية معادية تحاول استحضار منطق الاستعمار والتبعية عبر ضرب استقرار الدولة، باستعمال أدوات هجينة: حملات إلكترونية منظمة، معارضة افتراضية بلا عمق شعبي، تقارير حقوقية مفبركة، وخطاب تيئيسي يسعى إلى اختراق الروح الوطنية.
هنا يبرز البُعد الرمزي للمؤسسة الملكية كـ”خط أحمر” لا يقبل التأويل. فالعلاقة التاريخية والشرعية بين الملكية والشعب ليست مجرد رابطة سياسية، بل هي نسيج حضاري وثقافي وروحي متجذر في الوعي الجمعي المغربي. وقد أثبتت كل محاولات الاستهداف أن هذه العلاقة عصية على التفكيك، بل تزيد صلابة كلما اشتدت الأزمات.
السياق الدولي وتحديات المرحلة
المغرب، كما العالم، يعيش في مرحلة انتقالية دقيقة تتسم بأزمات اقتصادية وتحديات جيوسياسية مركبة. في هذا السياق، يحاول خصوم المملكة استثمار أي هشاشة ظرفية لإضعاف الدولة أو عرقلة مشروعها التنموي. غير أن الرباط، عبر دبلوماسية متوازنة وواقعية، استطاعت أن تفرض رؤيتها الاستراتيجية المبنية على مبدأ رابح/رابح، وأن توسع من دائرة شركائها بما يخدم مصالحها السيادية.
لقد أظهرت المملكة براعة في إدارة معاركها الدبلوماسية الكبرى، خصوصًا في ملف الصحراء، حيث بات الموقف المغربي يحظى بدعم متزايد على الساحة الدولية. ومع كل نجاح تحققه الدبلوماسية المغربية، ترتفع حدة الحملات المعادية، في محاولة لإعادة إحياء سيناريوهات ما يسمى “الخريف العربي” عبر إثارة احتجاجات أو خلق بؤر توتر.
يقول الصحفي بوشعيب البازي في قراءته لهذا السياق:
“المغرب اليوم ليس مجرد دولة تتصدى لمؤامرات عابرة، بل هو مختبر لاستراتيجيات مقاومة الجيل الرابع من الحروب. المايسترو المغربي، كما أحب أن أسميه، يراقص الأفاعي في لعبة توازن دقيقة: يواجه حملات التشويه بالصمت الاستراتيجي، ويرد على الضغوط الدبلوماسية بتعزيز التحالفات، ويقوي الداخل عبر مشاريع التنمية الكبرى. هذه المعادلة تجعل المملكة محصنة، لأن سر قوتها يكمن في هذا الارتباط العضوي بين الملكية والشعب، الذي يُفشل كل رهانات الخصوم”.
نحو مغرب المستقبل
الجواب الاستراتيجي للمغرب لا يمر عبر الانشغال بالهجمات المعادية، بل عبر تعزيز الجبهة الداخلية وتفعيل مضامين النموذج التنموي الجديد، بما يرسخ دولة قوية قادرة على حماية مكتسباتها. وهذا يتطلب إشراك جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بعيدًا عن الحسابات الضيقة، وتسخير رأس المال البشري والشباب في ورش البناء الوطني.
إن الوحدة الوطنية هي المدخل الأساس للإسراع في الجهود التنموية، خاصة ونحن مقبلون على محطات سياسية واجتماعية مفصلية. المغرب، بفضل استقراره ومؤسساته الراسخة، قادر على تحويل الأزمات إلى فرص، وعلى الاستمرار كحالة استثنائية في محيط إقليمي مضطرب.