في مشهد لا يخلو من كوميديا سياسية سوداء، أوقفت سلطات الهجرة الأمريكية (ICE) في نيويورك جمال فاضل، أحد وجوه جبهة البوليساريو، الذي كان يبيع نفسه لواشنطن على أنه “دبلوماسي صحراوي”، قبل أن يتبين أن مقامه على الأراضي الأمريكية لم يكن سوى فصل جديد من رواية “الهجرة غير الشرعية المؤدلجة”.
فاضل، الذي ظل لسنوات يطلّ على المنابر بصفته “ممثل الشعب الصحراوي”، وجد نفسه فجأة ممثلاً أمام جهاز الهجرة والجمارك الأمريكي. لا جواز سفر دبلوماسياً، ولا حصانة أممية، ولا حتى بطاقة إقامة صالحة يمكنها إنقاذه من الترحيل. وحدها بيانات ICE كانت أكثر وضوحاً من خطابات البوليساريو: “إقامة غير قانونية، تجاوز مدة الفيزا، وتمهيد للترحيل”.
من “قضية تقرير المصير” إلى “قضية ترحيل إداري”
ما يثير السخرية هو أن الرجل الذي قضى سنوات وهو يشرح للصحافة الغربية أن “الصحراويين يعيشون تحت الاحتلال”، انتهى به الأمر ليكتشف معنى الاحتلال الحقيقي… هذه المرة من قبل قوانين الهجرة الأمريكية. فالمعركة التي طالما حلم بخوضها في الأمم المتحدة، وجدها متجسدة أمام موظف فيدرالي يلوّح له بورقة الترحيل.
“المناضل المهاجر”
اللافت أن رواية فاضل لم تعد تجد من يشتريها. الإعلام الأمريكي لم يخصص أكثر من بضعة أسطر للخبر، معتبرًا الأمر شأناً إدارياً عادياً. لا تظاهرات، لا حملات تضامن، ولا حتى تغريدة من ناشط جامعي يساري في هارفرد. بدا الرجل كأنه مجرد مهاجر آخر تجاوز مدة إقامته… فقط بمكياج سياسي ماركته “البوليساريو”.
الجزائر في وضعية المتفرج
أما الجزائر، الداعم الرسمي للجبهة، فاختارت الصمت. فمن الصعب أن تفتح فمها في واشنطن للاحتجاج، وهي بالكاد تملك قنوات تواصل حقيقية مع الإدارة الأمريكية. وهكذا، تُرك فاضل يواجه مصيره بمفرده، بين رحلة عودة محتملة إلى مدريد أو المخيمات، وبين ذاكرة أرشيفية في ملفات ICE.
كوميديا سوداء بامتياز
القضية تكشف هشاشة مشروع البوليساريو في الخارج: حركة تقدم نفسها كـ”دولة”، بينما أحد أبرز وجوهها ينتهي مشرداً قانونياً أمام شرطي هجرة في نيويورك. إنها صورة تختزل المأساة والمهزلة معاً: من الحلم بالدولة إلى ختم الترحيل على جواز سفر منتهي الصلاحية.