إستهداف صورة المؤسسة الملكية : إنحدار بلا مكابح نحو الهزيمة و التشظي.

البراق شادي عبد السلام

“حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء”

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك و الشعب .
في تاريخنا الحديث عشنا كمغاربة مفهوم التعبئة الشاملة للشعب المغربي بطلب من المؤسسة الملكية في المسيرة الخضراء عندما خاطب الملك الراحل الحسن الثاني شعبه بضرورة الإلتفاف حول مقدساته الوطنية و تنظيم مسيرة شعبية لتحرير أرضه من الإستعمار الإسباني لوأد مؤامرة تقسيم المغرب و فصل أقاليمه الجنوبية عن الوطن ، الشعب المغربي بشكل تلقائي لبى النداء و كانت ملحمة المسيرة الخضراء و عودة الأقاليم الجنوبية لحوزة الوطن .

المسيرة الخضراء بفلسفتها الوحدوية واكبتها عملية توحيد للجبهة الداخلية و التي عرفت في الأدبيات السياسية المغربية ” بالإجماع الوطني” عندما تركت الأحزاب الوطنية ( أجدد الاحزاب الوطنية ) خلافاتها جانبا مع الراحل الحسن الثاني و إنخرطت في معركة التحرير ؛ توحيد الجبهة الداخلية كان سندا كبيرا للمغرب الجديد بعد 1975 للصمود ضد مخطط إسقاط الدولة بإدخالها في مؤامرة حرب إستنزاف في الصحراء المقدسة و الإنتصار فيها رغم التحديات الداخلية المزمنة بل إستطاع المغرب بحكمة مبدع المسيرة و بروح فلسفتها أن يكمل مشروع الأمن المائي عبر إستراتيجية السدود التي بها يضمن المغرب اليوم الأمن المائي و جزءا كبيرا من أمنه الغذائي في سنة 2025 .

اليوم توضح بالملموس و بشكل مفضوح أن الدوائر الدولية المعادية للوطن تصر على إستحضار معاني الإستعمار و التبعية و تحاول إستهداف الأمن القومي للمغرب و إستقراره مستخدمة بعض الوجوه البئيسة من معارضة اليوتوب و مجموعة من العملاء في الداخل من تجار الأزمات و متلاشيات الفكر العدمي التيئيسي.
إستقرار الدولة المغربية ونجاح المحطات السياسية الداخلية و إسقاط بقايا الخريف العربي بشكل شعبي و ديمقراطي أربك حسابات الخصوم ، إستهداف الرباط العاصمة اليوم صار غاية تجمع أطرافاً دولية عديدة على إختلاف مصالحهم، يظنون إن محاولة إشعال بؤر إحتجاجية إجتماعية أو إستخدام حملات إلكترونية منظمة و نشر اخبار زائفة أو تقارير حقوقية مفبركة سيعيد الروح إلى توازنات ما يسمى بالخريف العربي لإعادة رسم الخارطة الإقليمية وفق أهوائهم و مصالحهم .

حسابات خبراء «الجيل الرابع للحروب » في«المختبرات السياسية» كانت خاطئة ، المايسترو المغربي يراقص الأفاعي في لعبة إستراتيجية دقيقة و معركة تكسير العظام بدأت و بشراسة ضد المملكة الشريفة ، الأعداء في الداخل و الخارج مصرون على عدم السماح للمغرب بالسير قدما في مسار التنمية ، معارك ديبلوماسية طاحنة يخوضها رجالات المغرب بمختلف العواصم المؤثرة في القرار العالمي حفاظا على مصالح الشعب المغربي العليا بهدف تضييق الخناق و ضبط رقعة الشطرنج التي يتحرك فيها المرتزقة و عملائهم، المغرب مسلحا بعدالة الموقف المغربي و صوابية قراراته و بديبلوماسية الصمت الإستراتيجي و الثبات الإنفعالي و الرد المناسب في الزمكان المناسب أربك الجميع ، لأنه يقدم صورة لدولة بمؤسسات قوية ذات أمن سيادي راسخ بظهير شعبي متماسك يقودها ملك حكيم مؤمن بعدالة القضية وفق نسيج مجتمعي يصعب إختراقه ، مما يجعل محاولات الاختراق والتسلل والبروباغاندا التي يشنها الخصوم مصيرها الفشل .

لعبة التوقيت هي مهمة جدا و المغرب دقق ساعته الديبلوماسية على الزمن السياسي للعاصمة الرباط و التمكن من المعلومة الدقيقة و إستخدامها مكنه من وضع خط أحمر مغربي صارم بمبدأ واحد هو الموقف الواضح الصريح الغير قابل للتأويل من الوحدة الترابية للمملكة ثم إرساء قواعد الإشتباك وفق مصالح المغرب العليا ، اليوم مع النجاحات ” السيادية ” التي حققها المغرب في ملف الوحدة الترابية و تمدد الديبلوماسية المغربية المتعددة الأطراف خدمة لمصالح الشعوب وفق مبدأ رابح / رابح فقد إرتفعت وتيرة الهجوم و إستخدام حملات التشكيك و التشهير و نشر خطاب التيئيس و العدمية للتأثير على الروح الوطنية و إختراق الشعور القومي للمغاربة .

آخر هذه المحاولات، التي اتسمت بفظاظة بالغة وخبث مكشوف و بأسلوب وضيع ، هي محاولة المساس بالرمزية الوطنية للمؤسسة الملكية. هذه الأفعال لا تعدو كونها دليلاً صارخًا على إفلاس الأجندات المعادية ويأسها، حيث تكشف عن جهل عميق وسوء تقدير فادح لطبيعة العلاقة الفريدة والراسخة بين العرش العلوي و الشعب المغربي، والتي تقوم على الولاء و الإخلاص .حيث تُعدّ هذه العلاقة، التي يمتد عمقها إلى قرون من التاريخ المشترك، حجر الزاوية في بناء الهوية الوطنية ، فهي ليست مجرد رابط سياسي، بل هي نسيج اجتماعي وثقافي متجذر و يمثل ركيزة أساسية في بناء الوعي الجمعي للأمة المغربية. و كل محاولة لزعزعة هذه الركيزة مصيرها الفشل الذريع، لأنها تصطدم بحائط من التلاحم والوفاء الذي أثبت عبر التاريخ قدرته على تجاوز كل الأزمات والتحديات. هذه الأجندات، ببساطتها الفجة، تفشل في استيعاب أن ملك المملكة المغربية ليس فقط شخصية سياسية أو منصب دستوري، بل هو بل هو تجسيد حي لسيادة الأمة المغربية بتاريخها المجيد وإستمراريتها وإستقرارها ، فهذا الإرتباط يمتد إلى البيعة الشرعية التي تربط بين جلالة الملك، بصفته أمير المؤمنين، والشعب، مما يمنح الملكية الشرعية التاريخية و الدينية التي لا تقتصر على الجانب السياسي فقط . هذا البُعد جعل المؤسسة الملكية المحور الذي تدور حوله تطلعات الشعب المغربي .و في ظل التحولات الحديثة، أصبحت المؤسسة الملكية أيضًا المرجعية التحكيمية العليا التي تضمن التوازن بين السلطات و تحمي المكتسبات، كما أنها محرك أساسي للتنمية و عدم فهم هذه الأبعاد المتشابكة هو ما يدفع الأجندات المعادية إلى ارتكاب أخطائها الفادحة، فهي تتعامل مع المؤسسة الملكية كأداة سياسية قابلة للزعزعة، بينما هي في الحقيقة أيقونة وطنية و مكون أساسي في تشكيل هوية الأمة المغربية.

إن الرد الاستراتيجي للمملكة الشريفة إزاء هذا العبث هو الإلتفاف حول العرش العلوي المجيد و المؤسسات الإستراتيجية و تنزيل مضامين وتوصيات النموذج التنموي الجديد والانخراط في أوراش التنمية المستدامة. هذا المسار لا يمثل مجرد خيار اقتصادي، بل هو درع حقيقي لمواجهة الأجندات المعادية من خلال تعزيز قوة الدولة من الداخل، بناءً على الرؤية الملكية المتبصرة التي تضع التنمية في صلب أولويات الأمة. فالتركيز على الحكامة الرشيدة في التدبير، والعمل على حماية الأمن والاستقرار، يضمن بناء دولة قوية تستند إلى صلابة و حكمة مؤسساتها السيادية والاستراتيجية العصية على الاختراق.

المغرب الدامج و المتضامن و المزدهر و و الجريئ و المستدام، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، لن يتحقق إلا من خلال الإلتزام التام و الدقيق بالرؤية الملكية المتبصرة و التعبئة الشاملة لكل قوى المجتمع الحية من خلال تعزيز دور رأس المال البشري، وتفعيل دور الشباب، وإشراك مختلف الفاعلين و المتدخلين و أصحاب المصلحة في الأوراش الكبرى. مما يتطلب إلتزام الفاعل السياسي بالخيار التنموي الشامل، والابتعاد عن المعارك السياسوية والانتخابوية الجانبية التي تؤثر حتماً في الزمن التنموي، وتشتت الجهود الوطنية عن معركتها الحقيقية وهي معركة البناء والتقدم.

توحيد الجبهة الداخلية و الحفاظ على تماسكها هو المدخل الأساس للإسراع في المجهودات التنموية ، اليوم و نحن على بعد أقل من أسبوع من الدخول الإجتماعي و أسابيع قليلة من الدخول السياسي الذي لن يكون عاديا كباقي الأعوام السابقة فالمغرب و معه العالم يمر من مرحلة إنتقالية دقيقة و فترة محاطة بأزمة إقتصادية بتداعياتها الإجتماعية المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، و تحديات جيوسياسية معقدة بحكم حجم تفاقم الإنتظارات المجتمعية والتحديات الاقتصادية التي فرضتها حالة اللايقين ، لاسيما في ترابطها بالمجال الاجتماعي حيث أن الجميع اليوم ينتظر الإسراع في بناء تصور جديد لمغرب جديد تحت قيادة المؤسسة الملكية الضامن الأوحد و الوحيد و المعبر الأول على تطلعات و آمال الشعب المغربي .
و هو ما أكده جلالة الملك محمد السادس نصره الله بصريح العبارة في خطاب الذكرى 68 لثورة الملك و الشعب قائلا : ” الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات ، وهو ما تأكد بالملموس، في مواجهة الهجمات المدروسة، التي يتعرض لها المغرب، في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها لبلادنا ، فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة ، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون ، في ارتباط قوي بين العرش والشعب ، والمغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات ، التي يعرفها العالم.”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com