اعتبرت مجلة Causeur الفرنسية في مقال لها مقالا أن ما يُروَّج حول وجود صراع بين الأجهزة الأمنية المغربية لا يعدو أن يكون مجرد إشاعات مصدرها أطراف منزعجة من النجاحات المتتالية التي يحققها المغرب على المستويين الأمني والدبلوماسي. ووجهت المجلة أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى الجزائر، إضافة إلى بعض المنابر الإعلامية في إسبانيا، وعدد من الأصوات الإيطالية التي تنظر بعين الريبة إلى التقارب المغربي الفرنسي.
وأكدت المجلة أن المغرب أثبت أنه شريك موثوق لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لفرنسا، مشيرة إلى أن نفوذ أجهزته الاستخباراتية يتنامى بهدوء في القارة الإفريقية، ما يجعله قادراً على لعب دور الوسيط، خاصة في ظل تراجع الحضور الفرنسي في المنطقة. وأوضحت أن عدداً من الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا، تعيش صعوبات في التواصل مع بعض الدول الإفريقية، بينما تمكن المغرب بفضل دبلوماسيته النشطة من كسب ثقة أطراف متعددة.
وتوقفت المجلة عند الدور البارز للمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) بقيادة محمد ياسين المنصوري، مبرزة أنها ساعدت الجيش النيجري في القضاء على زعيم تنظيم “بوكو حرام”، إبراهيم مامادو، الذي تسبب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين في منطقة الساحل. وأضافت أن فعالية الجهاز المغربي في محاربة الإرهاب عززت صورة المغرب كفاعل أساسي في استقرار المنطقة.
كما أشادت بدور المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) بقيادة عبد اللطيف الحموشي، معتبرة أنها أصبحت مرجعاً عالمياً في مجال مكافحة الإرهاب بفضل الانضباط الصارم والسياسة الأمنية القائمة على “صفر تسامح”. وأشارت إلى أن تعيين الحموشي سنة 2015 على رأس المديرية العامة للأمن الوطني مكّن من دمج البعدين الأمني والاستخباراتي، ما منح المغرب مصداقية متزايدة لدى الشركاء الأوروبيين. واستدلت المجلة بعدة أمثلة، منها المساعدة في تفكيك شبكات إجرامية أوروبية وضبط شحنات ضخمة من المخدرات، بفضل التعاون المغربي الإسباني.
وذكرت المجلة أن فرنسا باتت تعتمد على المغرب في قضايا حساسة تتعلق بمكافحة الإرهاب واستقرار منطقة الساحل، حيث لعبت الرباط دور الوسيط في ملفات بارزة، بينها إطلاق سراح أربعة عملاء من جهاز الاستخبارات الفرنسي DGSE في واغادوغو، وهو تدخل أشاد به الفرنسيون واعتبروه ثمرة وساطة مباشرة من الملك محمد السادس.
في المقابل، أوضحت المجلة أن هذا النجاح يثير انزعاج الجزائر، التي سارعت وسائل إعلامها إلى الترويج لما وصفته بـ”حرب الأجهزة” بين الـDGED والـDGST. كما غذت بعض المنابر الإسبانية هذه الرواية، مستندة إلى حالة شخص يُدعى مهدي حجاوي، الذي سبق أن غادر الـDGED سنة 2010، ويواجه قضايا مرتبطة بالاحتيال والهجرة غير الشرعية، دون أن تكون له علاقة مباشرة بما يُروَّج.
ونفت المجلة وجود أي خلاف بين الجهازين الأمنيين المغربيين، مشيرة إلى أن اختصاصاتهما مختلفة: الأولى تعمل داخل التراب الوطني، بينما الثانية تُعنى بالعمل الخارجي. بل أكثر من ذلك، شددت على أن رئيسي الجهازين عقدا مؤخراً لقاءً مطولاً خصص لتعزيز التنسيق والتفكير الاستراتيجي في مواجهة التهديدات العابرة للحدود.
وخَلُصَ المقال إلى أن الحديث عن صراع داخلي بين الأجهزة الأمنية المغربية ليس سوى محاولة من أطراف خارجية لزرع الشكوك، مؤكدة أن السؤال حول هوية هذه الأطراف قد يكون في حد ذاته الجواب.