الجالية المغربية بالخارج بين الحق الدستوري وتحدي التمثيلية البرلمانية

بوشعيب البازي

طالبت هيئات سياسية ومدنية بتمكين المغاربة المقيمين بالخارج، الذين يشكلون ما يعادل 15 في المئة من مجموع سكان المغرب، من حقهم في التصويت والترشح في الاستحقاقات التشريعية المقبلة انطلاقاً من بلدان إقامتهم.

ففي مذكرة موجهة إلى وزارة الداخلية، اعتبر المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية أن انتخابات 2026 تمثل فرصة تاريخية لتفعيل هذا الحق الدستوري، مستنداً في مطلبه إلى التوجيهات الملكية المتكررة. ودعا المجلس إلى تعديل القانون الانتخابي بما يضمن مشاركة مغاربة العالم، ووضع آليات لمكافحة الفساد الانتخابي، واقترح فتح مكاتب اقتراع في بلدان الإقامة، مع تخصيص دوائر انتخابية بالخارج لتمكينهم من الترشح البرلماني.

المجلس شدّد أيضاً على ضرورة فتح لوائح انتخابية في مختلف الدوائر بالخارج وتبسيط الإجراءات الرقمية لتسجيل الناخبين، مع السماح بالترشح المستقل لأبناء الجالية غير المنتمين حزبياً.

موقف الباحثين والسياسيين

أكد محمد الروين، الباحث بجامعة مدريد المستقلة، أن هذا المطلب “واقعي، باعتباره حقاً دستورياً وقانونياً، لكنه تأخر كثيراً في التنزيل”. وأوضح أن تجارب دول مثل إسبانيا وفرنسا تُبرز أهمية إشراك الجاليات في القرار السياسي، مضيفاً أن الجالية المغربية “تلعب أدواراً محورية في التنمية والاستثمار والتحويلات المالية، فضلاً عن كونها سفراء للمغرب في الخارج”.

من جهته، عبّر نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، عن دعم حزبه للمطلب، مشيراً إلى أن “مشاركة حوالي 3 ملايين مغربي مقيم بالخارج ومؤهل للتصويت، ستشكل إضافة نوعية للحياة الديمقراطية الوطنية”. كما لفت إلى ضرورة دراسة دقيقة لإضافة مقاعد برلمانية جديدة مخصصة للجالية، معتبراً أن الأمر “ليس مطلباً انتخابياً ظرفياً، بل حق طويل الأمد يتماشى مع روح الدستور”.

في تحليله لهذا النقاش، يرى الصحافي بوشعيب البازي أن ملف تمثيلية مغاربة العالم في المؤسسات التشريعية “لم يعد يحتمل مزيداً من التأجيل، لأنه يرتبط بعمق الثقة بين المواطن ودولته”. ويؤكد أن “الاعتراف الدستوري بحقوق الجالية منذ 2011 لم يُترجم بعد إلى آليات عملية، وهو ما يخلق فجوة متزايدة بين الخطاب السياسي والواقع”.

ويضيف البازي أن إدماج مغاربة العالم في العملية الانتخابية “لن يكون مجرد استجابة لمطلب حقوقي، بل خطوة استراتيجية لتقوية إشعاع المغرب على الصعيد الدولي، باعتبار الجالية واجهة حية له في العالم”. لكنه يحذر في الوقت نفسه من “تحويل هذا الملف إلى ورقة انتخابية ظرفية، بدل أن يُعالج برؤية إصلاحية شاملة تضمن المشاركة الفعلية لا الرمزية”.

ثقل اقتصادي وديمغرافي

الجالية المغربية بالخارج، التي يتجاوز عددها ستة ملايين نسمة، تتشكل في معظمها من فئة الشباب ذات الكفاءات العالية. وتساهم هذه الفئة بما يقارب 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عبر تحويلاتها السنوية، متصدرة بذلك موارد الدولة المالية، بل متفوقة أحياناً على الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

بين النص الدستوري والممارسة الفعلية، يظل إشراك مغاربة العالم في الحياة السياسية الوطنية رهيناً بمدى تجاوب الفاعلين السياسيين والمؤسسات المعنية مع هذه المطالب. وإذا ما تم تنزيلها في أفق انتخابات 2026، فسيكون ذلك خطوة فارقة في مسار تعميق الديمقراطية وربط جسور الثقة بين الوطن وأبنائه عبر العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com