حين يتحول الجار إلى مراقب لغوي مهووس

بقلم : بوشعيب البازي

قديما، كان الجار سنداً وظهراً. أما اليوم، فقد ابتلينا بجار اسمه الجزائر، لا ينام إلا على وقع كلمة واحدة: المغرب. كلمة بسيطة من ثلاثة مقاطع، لكنها في قواميس السياسة الجزائرية أشبه بالقنبلة النووية.

منذ سنوات، أغلقت الحدود البرية بقرار سلطاني من قصر المرادية. لم يكفِ ذلك، فقرروا أيضاً إغلاق مجالهم الجوي في وجه الطائرات المغربية، وكأن طائرة “الخطوط الملكية المغربية” تحمل على أجنحتها أسراراً خطيرة أكثر من أقمار التجسس الأميركية.

ولأن “الهوس” لا يتوقف عند الجغرافيا، فقد تمدّد إلى التراث، القفطان المغربي صار “قفطان جزائري”، الزليج الفاسي تحول بقدرة قادر إلى “زليج مغاربي”، وحتى الكسكس حاولوا نسبه لأنفسهم قبل أن تنقذ اليونسكو ماء وجه الحقيقة.

ثم جاءت مرحلة أكثر عبثية: تسليح البوليساريو، إيواء الانفصاليين، فتح مقرات لهم، وتشجيعهم على تأسيس “أحزاب من ورق” لا وجود لها إلا في قاعات فندق بائس بالجزائر العاصمة. كرم ضيافة سياسي أشبه بـ”بوفيه مفتوح” لكل من يحمل شعار، “ضد المغرب”.

لكن الطرفة الكبرى تكمن في الرقابة اللغوية. في القنوات الرسمية الجزائرية، كلمة “المغرب” شبه ممنوعة. حتى حين تقترب ساعة الإفطار في رمضان، يصل التوتر إلى ذروته ، كيف نقول “صلاة المغرب” دون أن ننطق المحظور؟ فابتدعوا صيغة لا توجد في أي مذهب فقهي، “صلاة بعد العصر”. وهكذا، تحولت الصلاة إلى مادة للسخرية الدولية، بينما ظلّ الجزائري العادي يضحك في سره على هذا العبث.

الراحل الحسن الثاني لخص الحكاية حين قال ، “ليعلم العالم مع من حشرنا الله في الجوار.” ولو عاش الملك الراحل إلى اليوم، لربما أضاف: “حتى الصلاة لم تسلم من جيران السوء.”

أما المفارقة العظمى فهي أنّ المغرب، الذي يثير كل هذا القلق المرضي، يعيش في مسار مغاير تماماً، استثمارات ضخمة في الصحراء المغربية، ميناء طنجة المتوسط الذي صار من الأكبر عالمياً، صناعة سيارات وطائرات تغزو الأسواق الأوروبية، قطار فائق السرعة يربط طنجة بالدار البيضاء، وسياسة خارجية جعلت الرباط قبلة للدول الكبرى.

في المقابل، تقف الجزائر عالقة في خطاب الخمسينيات، غارقة في أزمة اقتصادية رغم الغاز والنفط، لا تُصدّر سوى التصريحات العدائية، وتعيش في حالة إنكار دائم لكل ما يتحقق شرق حدودها.

بينما يبني المغرب مستقبله بثبات، يواصل الجار الغربي بناء جدار وهمي ضد كلمة ثلاثية الحروف ، المغرب. ولعلّ أجمل هدية يمكن أن يقدمها الشعب المغربي لأشقائه في الجزائر هي قاموس صغير يشرح أن كلمة المغرب ليست سُبة، بل واقع حضاري ودولة راسخة… شاء من شاء وكره من كره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com