لم يعد خافيا أن ملف الصحراء المغربية شكّل، على مدى عقود، إحدى أبرز رهانات الدبلوماسية الجزائرية، التي سخّرت إمكانيات مالية وبشرية هائلة لدعم أطروحة الانفصال. غير أنّ السنوات الأخيرة، وبالأخص خلال فترة حكم الرئيس عبد المجيد تبون، كشفت عن تحوّل جذري في موازين القوى، جعل الجزائر في موقع الخاسر الأكبر، فيما واصل المغرب تثبيت حضوره الدولي وتوسيع دائرة الاعتراف بمغربية صحرائه.
في عهد تبون، ورغم الخطاب الشعبوي الذي سعى لتأجيج النزعة المعادية للمغرب وتقديم الصحراء باعتبارها “قضية مركزية”، تلقت الدبلوماسية الجزائرية سلسلة من الانتكاسات. أبرزها القرار التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، تلاه فتح قنصليات لعدد متزايد من الدول الإفريقية والعربية في العيون والداخلة، في خطوة عملية لتكريس الطابع المغربي للصحراء. كما لم تتمكن الجزائر من إقناع شركائها الأوروبيين بموقفها، إذ اتجهت عواصم مؤثرة كمدريد وبرلين إلى تبني موقف أكثر وضوحا في دعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب.
في المقابل، عرف المغرب في الفترة ذاتها دينامية تنموية ودبلوماسية غير مسبوقة. فالاستثمارات الكبرى في البنية التحتية بالأقاليم الجنوبية، من ميناء الداخلة الأطلسي إلى مشاريع الطاقات المتجددة، عززت صورة المغرب كفاعل إقليمي يربط بين إفريقيا وأوروبا. كما أسهمت السياسة الإفريقية للملك محمد السادس في توسيع شبكة التحالفات والشراكات، ما جعل الرباط شريكا موثوقا على الساحة الدولية.
أما الجزائر، فقد وجدت نفسها محاصرة بخطاب متجاوز، يعيد إنتاج شعارات الحرب الباردة في وقت باتت فيه الأمم المتحدة ومعظم القوى الكبرى تعتبر أن حل النزاع لا يمكن أن يكون إلا عبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية، باعتبارها حلا واقعيا وذا مصداقية. هذا التحول جعل النظام الجزائري، رغم ضخامة الموارد التي أهدرها، في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، بل وفقدان المصداقية أمام الرأي العام الداخلي الذي بات يحمّل تبون مسؤولية الفشل الذريع في هذا الملف.
إن الخلاصة واضحة: بينما ينشغل المغرب ببناء المستقبل وتعزيز موقعه في الساحة الدولية، ما تزال الجزائر أسيرة خطاب متكلس يقوده نظام فقد البوصلة. ومع كل اعتراف دولي جديد بمغربية الصحراء، يتأكد أن رهان تبون على إطالة أمد النزاع لم يكن سوى مغامرة خاسرة، ثمنها عزلة سياسية وتآكل في النفوذ الإقليمي.