لم يكن اختيار موقع بيزنيس إنسايدر للمملكة المغربية ضمن أفضل عشر وجهات سياحية في العالم لسنة 2025 حدثاً عابراً، بقدر ما هو تتويج لمسار طويل من الاستثمار في البنية التحتية، وتثمين التراث، وبناء صورة دولية تجعل من المغرب بلداً يجمع بين الأصالة والحداثة. والأهم من ذلك، أن هذا الاعتراف يضع المغرب إلى جانب زيمبابوي كأحد البلدين الإفريقيين الوحيدين اللذين تمكنا من دخول هذه القائمة العالمية المرموقة.
التقرير الذي استند إلى معطيات منصة السفر العالمية Kayak منح المغرب المرتبة السادسة دولياً، وهو موقع متقدم في ظل المنافسة الشرسة بين عواصم سياحية ذات تاريخ طويل في هذا المجال. ما يفسر هذا التميز، بحسب المصدر ذاته، هو التنوع الاستثنائي للعرض المغربي: من صحراء مترامية بكثبانها الذهبية، إلى جبال الأطلس المكسوة بالثلوج، مروراً بمدن تاريخية مثل فاس ومراكش التي ما تزال تحافظ على أصالتها وتغري عشاق التراث، وصولاً إلى المدن الزرقاء على ضفاف الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
الأرقام تكشف جانباً آخر من القصة. فالمغرب استقبل عام 2024 نحو 17.4 مليون سائح، ليصبح الوجهة الأولى في إفريقيا. أما في سنة 2025، فقد ارتفع المنحنى بشكل لافت مع تسجيل 13.5 مليون زائر حتى نهاية غشت، أي بزيادة 15% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وحده صيف هذا العام شكّل رقماً قياسياً باستقبال 4.6 ملايين سائح خلال يوليوز وغشت، بينهم ثلاثة ملايين من مغاربة العالم، في مشهد يترجم مزيج الجاذبية الدولية والحنين الوطني.
ولعل مراكش كانت النجمة الأبرز في هذا التصنيف. المدينة الحمراء حصدت إشادة التقرير لكونها وجهة “قيمة مقابل تكلفة”، بعد أن انخفضت أسعار الرحلات الجوية إليها بـ 5% مقارنة بصيف 2024، ما جعلها أكثر تنافسية أمام زوار يبحثون عن تجربة أصيلة لا تخلو من الفخامة. وبالموازاة، برزت مدن أخرى مثل الصويرة وشفشاون، اللتان تحولتا إلى أيقونات سياحية بفضل فرادتهما الجمالية والثقافية، إلى جانب طنجة والدار البيضاء والرباط، التي تقدم للزائر صورة متعددة الأبعاد بين التاريخ والبحر والحداثة.
لكن خلف هذه الأرقام والصور، تقف رؤية استراتيجية واضحة. فقد أدرك المغرب، منذ سنوات، أن السياحة ليست مجرد قطاع خدمي، بل رافعة تنموية واقتصادية تستند إلى الاستثمار في الموانئ والمطارات والطرق السريعة، وتوسيع الربط الجوي مع العواصم الأوروبية والآسيوية، وتشجيع الاستثمار في الفندقة والضيافة. هذه الخيارات جعلت المملكة تتصدر المنافسة القارية وتترسخ كفاعل عالمي في صناعة السفر.
هذا النجاح لم يأتِ من فراغ. فمنذ بداية الألفية، كان العاهل المغربي الملك محمد السادس يؤكد على ضرورة جعل السياحة محوراً أساسياً في النموذج التنموي، باعتبارها جسر تواصل بين الشعوب ووسيلة لتثمين الرأسمال الثقافي والبيئي. واليوم، بعد عقدين من العمل المتواصل، يترجم المغرب هذه الرؤية على أرض الواقع، ليصبح أحد الأسماء الوازنة في خريطة السياحة الدولية.
إن إدراج المغرب في قائمة أفضل الوجهات العالمية لعام 2025 ليس مجرد تصنيف إعلامي، بل اعتراف دولي بمسار تنموي جعل من المملكة مثالاً في الجمع بين التجربة السياحية المتنوعة والاستراتيجية الاقتصادية الناجحة. ومع الزخم المتواصل في الاستثمارات وتوسع الربط الجوي، يبدو أن المغرب ماضٍ بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانته كأحد أبرز المحاور السياحية على المستوى العالمي، وليس الإفريقي فحسب.