المغرب في قلب النقاش الأورو-متوسطي: رؤية بوريطة لشراكة متوازنة

بوشعيب البازي

في وقتٍ يتجه فيه الاتحاد الأوروبي نحو صياغة ميثاق مُجدَّد لإعطاء دفعة جديدة للفضاء الأورو-متوسطي، اختار المغرب أن يكون في صلب هذا التحول. فقد أكد وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، خلال ندوة رفيعة المستوى انعقدت اليوم الخميس بالرباط، أن المرحلة الراهنة تفرض إعادة التفكير في أسس هذا الفضاء، بما يجعله أكثر توازنًا وشمولية، وقادرًا على الاستجابة لتحديات مشتركة متزايدة التعقيد.

الندوة، التي حضرها مسؤولون أوروبيون رفيعو المستوى، في مقدمتهم دوبرافكا شويسا، مفوضة الاتحاد الأوروبي المكلفة بالمتوسط، وعدد من السفراء، شكّلت مناسبة لتقييم حصيلة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وشركائه الجنوبيين، مع محاولة بلورة رؤية جديدة لمستقبل الشراكة بين ضفتي المتوسط.

في خطابه الافتتاحي، قدّم بوريطة تشخيصًا واقعيا لاختلالات النموذج الحالي، مبرزًا أن الفضاء الأورو-متوسطي لم يعد بإمكانه الاستمرار وفق منطق يضع الجنوب في موقع الهامش. وأوضح أن “الجنوب لم يعد من المقبول أن يُعامل كمجرّد ملحق لبرامج معدّة مسبقًا، بل يجب أن يُنظر إليه كشريك كامل، ونصف ثانٍ من فضاء ينبغي بناؤه معًا”.

وفي مواجهة هذه التحديات، دعا وزير الخارجية المغربي إلى استعادة مركزية الفضاء الأورو-متوسطي في ظل تعدد المبادرات الموازية التي قد تضعف تماسكه. وعرض رؤية المغرب لبناء شراكة جديدة، تقوم على أربعة محاور رئيسية: القيمة بما تحمله من بعد إنساني وثقافي مشترك، الأمن باعتباره أولوية لا تنفصل عن التنمية، الاندماج الاقتصادي كشرط لتحقيق نمو متكامل ومستدام، ونموذج المعرفة الذي يجعل من التعليم والابتكار ركيزة أساسية لتأهيل المنطقة لمواجهة تحديات المستقبل.

وأكد بوريطة أن تحقيق هذه الطموحات يتطلب استثمارات ضخمة وتخطيطًا بعيد المدى، مشددًا في ختام كلمته على أن المغرب يقدم هذه الرؤية “بتواضع وعزيمة”، في سعي لتأسيس فضاء أورو-متوسطي يُبنى على أسس جماعة مصير حقيقية.

وبهذا الموقف، يواصل المغرب ترسيخ موقعه كفاعل محوري في النقاشات الإقليمية والدولية، مساهما في صياغة رؤية جديدة للعلاقات الأورو-متوسطية، تنقلها من مجرد إطار للتعاون التقليدي إلى مشروع استراتيجي يقوم على تقاسم المسؤولية والفرص بين الشمال والجنوب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com