“الجمهورية الجزائرية كنموذج للدولة الإرهابية”: قراءة أكاديمية في كتاب أكسيل غنيفي

بوشعيب البازي

صدر مؤخرًا في باريس كتاب مثير للجدل للكاتب القبايلي أكسيل غنيفي بعنوان: “الجمهورية الجزائرية كنموذج للدولة الإرهابية: تاريخ طويل من الإرهاب الشامل في منطقة القبائل والجزائر والعالم أجمع”. الكتاب، الذي قُدّم في ندوة علمية بحضور رئيس حكومة القبائل في المنفى السيد فرحات مهني وعدد من الأكاديميين والدبلوماسيين الأوروبيين، يسعى إلى توثيق ما يصفه المؤلف بـ”إرهاب ممنهج” تمارسه المؤسسة العسكرية الجزائرية داخليًا وخارجيًا.

الإرهاب كعقيدة سياسية

يرى غنيفي أن النظام الجزائري، منذ عقود، حوّل الإرهاب من ممارسة ظرفية إلى عقيدة استراتيجية تضمن استمراريته في الحكم. فبحسبه، العنف ليس مجرد أداة لقمع المعارضة الداخلية في منطقة القبائل أو غيرها، بل بات أداة مركبة لبسط النفوذ، تصدير الأزمات، وإعادة إنتاج الشرعية السياسية في الداخل. ويؤكد الكاتب أن هذا “الإرهاب البنيوي” يجد دعمه في البنية القانونية والسياسية الرسمية، ما يحوله إلى إرهاب دولة مكتمل الأركان.

من المحلي إلى العابر للحدود

الكتاب لا يكتفي بتشريح المشهد الداخلي الجزائري، بل يتوسع ليبرز شبكات الإرهاب العابر للحدود المنسوبة للنظام العسكري. فقد أورد غنيفي اتهامات صريحة بمشاركة عناصر جزائرية في تنفيذ عمليات إرهابية بأوروبا (فرنسا، إسبانيا، ألمانيا)، وتورط أجهزة مرتبطة بالجيش الجزائري في تأسيس جماعات مسلحة في كل من سوريا ومنطقة الساحل الإفريقي. الهدف، حسب المؤلف، مزدوج: حماية مسارات تجارة غير مشروعة (الكوكايين والتهريب) من جهة، وخدمة أجندات جيوسياسية توسعية من جهة أخرى.

الإرهاب السيبراني والتحالفات الخارجية

يعرض غنيفي في كتابه بعدًا جديدًا يتجاوز التصورات التقليدية للإرهاب، وهو الإرهاب السيبراني. فالجزائر، وفق أطروحته، تستثمر في أدوات رقمية متقدمة للتجسس على شخصيات ومنظمات دولية، وذلك عبر تعاون تقني مع إيران. هذا البعد يعكس – في نظر المؤلف – تنامي تحالفات “غير معلنة” بين النظام الجزائري والمد الشيعي الإيراني، حيث يلتقي الطرفان في توظيف الإرهاب كأداة نفوذ إقليمي ودولي.

فرحات مهني: التوثيق في مواجهة الصمت الدولي

في مداخلته خلال الندوة، شدّد السيد فرحات مهني، رئيس “جمهورية القبائل” المعلنة من طرف واحد، على أن أهمية الكتاب تكمن في كسر الحصار الإعلامي والحقوقي المفروض على منطقة القبائل، حيث يُمنع المراقبون الدوليون من التحقق ميدانيًا من الانتهاكات. وأكد مهني أن هذا العمل العلمي يوثق بالصوت والصورة شهادات ووقائع غالبًا ما يتم التعتيم عليها في الإعلام الدولي.

نقد للمنظمات الدولية

جانب مهم من الكتاب يتمثل في نقد المنظمات الدولية التي يتهمها الكاتب بالتقاعس المتعمد، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. غنيفي يرى أن هذا الصمت يعكس حسابات سياسية واقتصادية تتجاوز البعد الإنساني، الأمر الذي يضع مصداقية النظام الدولي ذاته على المحك، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب الأصلية كالأمازيغ في منطقة القبائل.

كتاب أكسيل غنيفي يمثل محاولة لتأطير ظاهرة “الإرهاب كسياسة دولة” في الجزائر من منظور تحليلي يوثق بالأمثلة والوقائع. ورغم الطابع الاتهامي الصريح، فإنه يفتح الباب أمام نقاش أكاديمي أوسع حول دور الدولة الوطنية في إنتاج العنف، وحول حدود الشرعية السياسية عندما تُبنى على منطق الإرهاب لا على التعاقد الاجتماعي. كما أن تقديم الكتاب في عاصمة أوروبية وبحضور دبلوماسيين يعكس تحوّل النقاش من نطاق محلي إلى فضاء دولي قد يعيد رسم ملامح القضية القبايلية على الأجندة الحقوقية العالمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com