الحملات الإعلامية ضد المغرب: بين التصعيد الخارجي والالتفاف الوطني

بوشعيب البازي

لم يعد المهتم بالشأن المغربي أو حتى المراقب العابر يحتاج إلى جهد كبير ليدرك حجم التصعيد المتزايد ضد المملكة. فمنصات إعلامية، رسمية وأخرى غير رسمية في دول مجاورة، تقود منذ سنوات حملات متواترة تستهدف المغرب ومؤسساته، لتجد صدى لها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتحول النقاش أحيانًا إلى ساحة مفتوحة للاتهامات والشائعات.

وفي الآونة الأخيرة، انضمت بعض الصحف الدولية، مثل لوموند الفرنسية، إلى هذا السياق، عبر ملفات صحفية أثارت جدلًا واسعًا بسبب قراءات وُصفت بالمنحازة أو غير المكتملة، جمعت بين معطيات ملتبسة وشهادات مجتزأة، لتقدّم صورة قاتمة عن المغرب، بعيدة عن الواقع المركّب والمعقد للبلاد.

خلفيات تاريخية ومعطيات متجددة

هذا النمط من التناول الإعلامي ليس وليد اليوم. فمنذ عقود، ارتبط الخطاب النقدي الخارجي بمواقف سياسية من طبيعة النظام الملكي المغربي، وبتركيز خاص على المؤسسة الملكية باعتبارها رأس الدولة وضامنة وحدتها. واليوم، يتكرر المشهد مع الملك محمد السادس، كما حدث في فترات سابقة مع أسلافه، في محاولات متكررة لإضعاف صورة المغرب ورمزيته.

لكن في المقابل، يواجه المغرب هذه الحملات بتعزيز منجزاته الداخلية. فالمؤسسة الملكية، بما لها من شرعية تاريخية ودينية وسياسية، تقود مشاريع تنموية كبرى، وتعمل على ترسيخ استقلال القرار الوطني وتعزيز الحضور المغربي في أفريقيا والمتوسط. هذا الصعود الإقليمي يثير حساسيات في محيط يعتبر أن تزايد نفوذ المغرب يقلص من مجال نفوذه التقليدي.

معارضة الخارج: وقود إضافي

لا يمكن تجاهل دور بعض الأصوات المغربية في الخارج، التي ترفع خطابًا حادًا تجاه الدولة ومؤسساتها، متجاوزة حدود النقد السياسي المشروع إلى نشر مزاعم واتهامات غير مثبتة. هذه الخطابات غالبًا ما تتحول إلى مادة خام توظفها الحملات الإعلامية المناهضة للمغرب، مما يعقّد المشهد ويضاعف حجم الضغوط.

بين فرضيات التشكيك وحقائق التاريخ

تعتمد هذه الحملات على فرضية أن المؤسسة الملكية فقدت بريقها، وأن الشعب المغربي في حالة نفور أو قطيعة. غير أن الواقع يُظهر العكس: ارتباط تاريخي ومستمر بين المجتمع والملكية باعتبارها ركيزة الاستقرار وضامنة الوحدة الوطنية. تجربة أكثر من اثني عشر قرنًا من الملكية المغربية، من الدولة الإدريسية إلى العلوية، تشهد بأن الملكية كانت دومًا في صلب معارك الدفاع عن استقلال البلاد ووحدتها، من وادي اللبن ووادي المخازن إلى ملحمة الاستقلال والمسيرة الخضراء.

الرد المغربي: المنجزات بدل الانفعال

في مواجهة هذه الحملات، يبقى الرد الأكثر فاعلية هو التركيز على المنجزات والتقويم الذاتي. وهو ما شدد عليه الملك محمد السادس في خطبه، عبر دعوته الدائمة إلى مراجعة وتيرة التنمية وضمان تكافؤها بين مختلف الجهات.

كما أن التعبير الوطني الجامع، من مختلف الحساسيات السياسية والنقابية والمدنية، يشكل ضرورة في هذه المرحلة. وثيقة وطنية مشتركة، تُصدرها القوى الحزبية والنقابية، يمكن أن تكون رسالة قوية للعالم بأن المغاربة، رغم اختلافاتهم، يقفون صفًا واحدًا وراء ثوابت الأمة: الوحدة الترابية، النظام الملكي، والاختيار الديمقراطي.

قوة الأمل ومناعة الداخل

من بين ما يشير إليه بعض حكماء الدولة أن المغرب لا يُخشى عليه، فبنيانه صلب صقلته ابتلاءات التاريخ. قوته تكمن في انشغاله الدائم بمشروعه التنموي، بجوهره الوطني وامتداده الأفريقي وارتباطه المتوسطي. وهو مسار يستمد زخمه من التفاعل المستمر بين المؤسسة الملكية والشعب.

الحملات الإعلامية والسياسية المناهضة للمغرب ليست إلا تحديًا إضافيًا يُضاف إلى التحديات الداخلية والإقليمية. غير أن الرد عليها لا يكون بالصوت العالي أو الانفعال، بل بالمنجزات والإصلاحات، وبالتعبير الوطني الواضح عن وحدة الصف الداخلي. المغرب، برصيده التاريخي وشرعية مؤسساته، قادر على تحويل هذه الحملات إلى فرصة لإبراز تماسكه الوطني وتجديد مساره الديمقراطي والتنموي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com