في المغرب، يبدو أن الطريق إلى قبة البرلمان لم يعد يمر عبر الكفاءة أو الخبرة أو حتى الحد الأدنى من المستوى الدراسي. يكفي أن تكون غنيا، أو صاحب “شعبية انتخابية”، أو حتى مجرد تابع مطيع لحزب يبحث عن الأصوات بأي ثمن، لتجد نفسك فجأة مشرعا يقرر في مصير الأمة. قبة البرلمان، التي يُفترض أن تكون معقلا لإنتاج القوانين ورسم سياسات الدولة، تحولت عند البعض إلى مسرح عبثي مفتوح، حيث يتجاور النوم والغياب والجهل في مشهد يثير السخرية أكثر مما يبعث على الثقة.
برلمان الصامتين
عدد من هؤلاء النواب الجدد يدخلون القبة كمن دخل متجرا لا يعرف محتوياته. يجلسون في مقاعدهم صامتين، لا لأنهم يختارون الصمت حكمة، بل لأنهم ببساطة لا يفقهون شيئا في أبجديات التشريع ولا يملكون الحد الأدنى من أدوات النقاش السياسي. إنهم مجرد “أرقام انتخابية” في خدمة الأحزاب، ترفع الأيدي عند التصويت، وتُسكت الأفواه عند النقاش. مشهد أقرب إلى قطيع يساق أكثر مما هو مؤسسة برلمانية.
برلمان النائمين
أما أولئك الذين نجوا من الصمت، فقد وقعوا في فخ النوم. الكاميرات التي التقطت مشاهد برلمانيين يغطّون في نوم عميق خلال الجلسات ليست حالات معزولة، بل صورة عن استهتار بات متكررا. بعضهم يتغيب أصلا، مكتفيا بالظهور الموسمي حين يتعلق الأمر بالتقاط الصور أو الحصول على التعويضات.
اللغة… والفضيحة
من المضحك المبكي أيضا أن بعض البرلمانيين لا يجيدون حتى التحدث بالعربية، لغة الدستور والنقاش التشريعي. هناك من يعجز عن تركيب جملة مفيدة، أو يخلط بين الكلمات كما لو كان في حصة محو الأمية. هذه ليست مبالغة، بل واقعا شاهده المغاربة بأعينهم على شاشات التلفاز.
2030 على الأبواب
كل هذا يحدث بينما المغرب يستعد لأفق 2030، مرحلة يُنتظر أن تشهد قرارات حاسمة وتحولات كبرى في الاقتصاد والمجتمع والسياسة. فكيف يمكن لبرلمان يملؤه النائمون، والصامتون، والأميون السياسيون أن يكون قادرا على مواكبة هذه التحولات؟ كيف يمكن لمؤسسة يُفترض أن تصنع القوانين أن تُدار بعقلية “من هبّ ودبّ”؟
حين يصبح الغنى بديلا عن الكفاءة
الأحزاب، في بحثها المحموم عن الأصوات، ترشح من يجلب لها “الصيد الانتخابي” دون اعتبار للكفاءة أو الهوية أو حتى المستوى الدراسي. النتيجة: برلمان مليء بوجوه صامتة لا تملك لا رؤية ولا رأيا، مجرد ديكور انتخابي يعكس الأزمة العميقة للتمثيلية السياسية في المغرب.
البرلمان، كما يُفترض أن يكون، هو مصنع القوانين ومختبر النقاش الوطني. أما البرلمان كما هو اليوم، فبات أقرب إلى قاعة انتظار كبيرة، حيث يُنتظر أن يُتلى النص ويُرفع الأيادي، أو إلى صالة نوم جماعي حيث يُمنح الغياب والتثاؤب مقعدا دائما. في بلد يطمح إلى إصلاحات كبرى وقرارات مصيرية بحلول 2030، لا مكان لـ”من هب ودب” بين مشرّعيه.