المغرب ولجنة القدس: دبلوماسية مبدئية بفعل تنموي ملموس

يوسف لفرج

في منطقة تتسم غالبًا بزخم الخطاب وتذبذب الاهتمام الدولي، نجح المغرب في ترسيخ موقعه كفاعل ثابت ومؤثر في الدفاع عن القضية الفلسطينية، من خلال مقاربة تجمع بين الالتزام الدبلوماسي والعمل التنموي الميداني. ويتجسد هذا الدور في لجنة القدس، التي يرأسها جلالة الملك محمد السادس، وفي ذراعها التنفيذية وكالة بيت مال القدس الشريف، حيث يلتقي البعد المبدئي مع البراغماتية العملية في نموذج فريد من التضامن.

لجنة القدس: تفويض سياسي ورسالة أخلاقية

تأسست لجنة القدس سنة 1975 في إطار منظمة التعاون الإسلامي، بهدف حماية الوضعية القانونية والهوية الدينية والثقافية للمدينة المقدسة. ومع تولي الملك محمد السادس رئاستها، ارتقى عمل اللجنة إلى مستوى يجمع بين الدفاع السياسي الراسخ والمسؤولية الأخلاقية المتجذرة. فبينما تنطفئ مبادرات عديدة بتغيّر السياقات الدولية، ظلّ المغرب محافظًا على نهج ثابت يجمع الدبلوماسية رفيعة المستوى والرؤية طويلة الأمد.

وكالة بيت مال القدس: التنمية كأداة مقاومة

ما يميز التجربة المغربية هو رفضها حصر التضامن في حدود الشعارات. فمن خلال وكالة بيت مال القدس، أطلقت المملكة مئات المشاريع الاجتماعية والاقتصادية في المدينة، شملت:

  • ترميم المدارس والمستشفيات.

  • دعم السكن وحماية التراث الثقافي.

  • تمويل مبادرات مدرة للدخل.

كل مشروع – مهما كان حجمه – يجسد فلسفة واضحة: أن التمكين الاجتماعي والاقتصادي لأهل القدس هو الضمانة الحقيقية لاستمرار حضورهم في أرضهم، وأن التنمية ذاتها يمكن أن تكون شكلًا من أشكال المقاومة في مواجهة محاولات التهميش والطمس.

اعتراف دولي متزايد

العمل المغربي لم يبقَ حبيس الفضاء المحلي، بل حظي باعتراف واسع في المحافل الإقليمية والدولية. ففي القمة العربية الإسلامية الأخيرة بالدوحة، ثمّن القادة العرب والمسلمون علنًا جهود لجنة القدس ووكالة بيت مال القدس، مؤكدين أن النموذج المغربي، الذي يزاوج بين الفعل الدبلوماسي والإنجاز الميداني، بات عنصرًا لا غنى عنه في الدفاع عن القدس.

دبلوماسية تجمع بين المناصرة والفعل

على الصعيد الدولي، دافعت الرباط باستمرار عن حل الدولتين كخيار استراتيجي يضمن السلام العادل والتعايش. لكن هذا الموقف لم يُترجم إلى بيانات فقط، بل إلى مؤسسات وآليات قادرة على تحقيق أثر ملموس. هذا الدمج بين الخطاب والممارسة يعزز مصداقية المغرب ويمنحه مكانة خاصة لدى شركائه الإقليميين والدوليين.

درس في التضامن المستدام

في عالم سريع التحولات، حيث تتلاشى العناوين الكبرى مع دورة الأخبار، يقدم المغرب نموذجًا بديلًا: تضامن قائم على الاستمرارية، وعلى التركيز على الإنسان، وعلى الاستثمار في مقومات الصمود. ولعل هذا ما يجعل عمل لجنة القدس ووكالة بيت مال القدس يتجاوز الأجيال والظروف، ليبقى شاهدًا على معنى المسؤولية الحقيقية.

لقد أثبت المغرب، من خلال قيادة الملك محمد السادس للجنة القدس، أن الالتزام لا يُقاس بحجم الشعارات بل بقدرة المؤسسات على الإنجاز. وبينما تتعثر مبادرات عديدة في محيط إقليمي ودولي متغير، يواصل المغرب بناء نموذج للتضامن الفعّال يجمع بين الدبلوماسية والتنمية، وبين المناصرة والفعل، في خدمة القدس وأهلها. نموذج لا يكتفي بمواكبة الحاضر، بل يرسم أفقًا استراتيجيًا لمستقبل أكثر عدالة واستقرارًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com