الزليج المغربي المذهب… بين عبق التراث ورهانات الابتكار العالمي

مجدي فاطمة الزهراء

في قلب مدينة فاس العتيقة، حيث تختلط رائحة الطين برنين المطرقة على قطع الفسيفساء، يشهد الزليج المغربي تحوّلاً جديداً يعكس ديناميكية الحرف التقليدية وقدرتها على التكيّف مع العصر. فقد بادر عدد من الصناع التقليديين إلى تطعيم الزليج التقليدي بقطع مذهبة، في تجربة إبداعية تمزج بين الأصالة والرغبة في مواكبة أذواق حديثة تميل نحو الفخامة والتميز.

ابتكار ينطلق من الجذور

الزليج المغربي، الذي ارتبط لقرون بالقصور والمساجد والفضاءات التاريخية، لم يكن يوماً فناً جامداً. فكل جيل من الحرفيين ترك بصمته الخاصة على هذا التراث، واليوم يأتي التطعيم بالذهب كخطوة نوعية تفتح المجال أمام قراءة جديدة لهذا الإرث.

المعلم عبد الفتاح الشلح، أحد أعلام الزليج الفاسي بخبرة تمتد لأزيد من 45 سنة، يؤكد أن الحرفة شهدت عبر السنين تجديداً متواصلاً يوازي تطلعات الزبائن. ويشير إلى أن لكل قطعة أسماء فنية متوارثة، مثل المخبل العقول، السطاشري أو المسدس، تعكس ثراء الرمزية والتنوع في هذا الفن.

بين الحرفة والدقة… رحلة قطعة مذهبّة

عملية إنتاج الزليج المذهب تمر بمراحل دقيقة: من النقش التقليدي الأولي إلى الطلي بالذهب في ورشات متخصصة، وهي مرحلة قد تستغرق ثلاثين يوماً حسب حجم الطلب، ثم مرحلة التجميع أو ما يعرف بـ”التفراش”، حيث تُركّب القطع في لوحات متناسقة تروي قصة من الألوان واللمعان.

الصانع التقليدي حميد الشهبي يوضح أن المسألة لا تتعلق بترف زخرفي بقدر ما تمثل رسالة فنية توثق لمسار طويل من الحرفية. إنها شهادة على قدرة الحرفي المغربي على الجمع بين مهارة الأجداد وحاجيات السوق المعاصر.

سوق عالمي متعطش للفخامة المغربية

الإقبال على هذا النوع من الزليج لم يقتصر على المغرب، بل امتد إلى أسواق خارجية من فرنسا وأمريكا إلى بلدان الخليج. ويعكس ذلك وعياً متزايداً بقيمة الحرفة التي تتجاوز بعدها المادي لتلامس الرمزية الثقافية.

يتراوح سعر المتر المربع من الزليج المذهب ما بين 12 و13 ألف درهم، وهو رقم يعكس ليس فقط تكلفة المواد النفيسة، بل أيضاً صعوبة الصناعة وندرتها. وهذا ما يجعل من فاس مركزاً رئيسياً لتسويق هذا المنتوج كواجهة للهوية المغربية في العالم.

بين تحدي الأصالة وضغط السوق

التجربة تطرح سؤالاً محورياً: كيف يمكن الحفاظ على أصالة الزليج كرمز للهوية المغربية، مع تطويره ليلبي متطلبات سوق عالمي تنافسي؟ الجواب يكمن في إيجاد توازن بين الوفاء للتقاليد وفتح الباب أمام الابتكار. وهنا تظهر مسؤولية مزدوجة: حماية الحرفة من الاستنساخ التجاري الرخيص، وتشجيع الأجيال الجديدة على الانخراط فيها بروح إبداعية تضمن استمراريتها.

إن الزليج المذهب ليس مجرد ابتكار زخرفي، بل رسالة ثقافية تعكس قدرة المغرب على تحويل تراثه إلى منتوج عالمي يجمع بين الرمزية الفنية والبعد الاقتصادي. وإذا كان الذهب قد أضفى على الزليج بريقاً جديداً، فإن التحدي الأكبر يظل في صون هذا البريق من الاستهلاك السريع، وتحويله إلى رافعة دائمة تعزز مكانة الصانع المغربي في خريطة الإبداع العالمي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com