احتجاجات شبابية بالمغرب تُعيد إلى الواجهة ملف الصحة والتعليم: صرخة جيل يطالب بالكرامة
بوشعيب البازي
شهدت العديد من المدن المغربية، عصر اليوم، وقفات احتجاجية قادها شباب من مختلف الفئات، رفعوا خلالها شعارات تطالب بإصلاحات جذرية في قطاعي الصحة والتعليم العمومي، معتبرين أن ما تعيشه البلاد على هذا المستوى لا يليق بطموحات جيل يبحث عن الكرامة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص.
الاحتجاجات، التي انطلقت بشكل متزامن في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش، فاس، وأكادير، جاءت تلبية لدعوات انتشرت خلال الأيام الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم “صوت الشباب المغربي”، وحظيت بتفاعل واسع عبّر من خلاله آلاف المواطنين عن غضبهم من الأوضاع المتدهورة في المرافق الأساسية.
صوت الاحتجاج على الإهمال المتراكم
التحركات الشبابية الأخيرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق العام الذي يعيشه المغرب منذ سنوات، حيث تُواجه المدرسة العمومية والمنظومة الصحية تحديات بنيوية تتفاقم مع الزمن.
ففي قطاع التعليم، تتعالى الأصوات المنتقدة لما تصفه بـ”تراجع الجودة”، “هشاشة البرامج”، “الخصاص في الأطر التربوية”، و”انعدام الأفق الواضح بعد التخرج”، ناهيك عن تنامي ظواهر مثل بيع الشهادات والفساد الإداري داخل بعض الجامعات، ما تسبب في فقدان الثقة في مخرجات النظام التربوي.
أما قطاع الصحة، فلا يختلف المشهد كثيرًا، إذ تتكرر الشكاوى بشأن غياب الأطباء، تهالك المعدات الطبية، تأخر مواعيد العمليات الجراحية، والنقص الحاد في الموارد البشرية، خاصة في المناطق القروية والنائية. ويعتبر المحتجون أن الحق في العلاج أصبح اليوم امتيازًا لمن يستطيع ولوج المصحات الخاصة، في حين يُترك الباقون لمواجهة مصيرهم
وسط مؤسسات عمومية تعاني من الإهمال وقلة الإمكانيات.
من المطالب الاجتماعية إلى مطلب الكرامة
اللافت في هذه الاحتجاجات أنها جاءت بوجه جديد، مختلف عن أشكال التظاهر السابقة. فالغالبية الساحقة من المشاركين كانوا من الشباب غير المؤطرين سياسياً أو نقابياً، يحملون مطالب ذات طبيعة اجتماعية وحقوقية، دون خلفية حزبية أو أيديولوجية واضحة.
وقد حملت الشعارات المرفوعة مضامين قوية حول “حق المواطن في الكرامة”، و”أولوية الصحة والتعليم على حساب المهرجانات والملاعب”، في انتقاد واضح لما يعتبرونه خللًا في ترتيب أولويات الدولة.
تفاوت في تعاطي السلطات
رد فعل السلطات الأمنية تفاوت من مدينة لأخرى. ففي بعض المناطق، تم التعامل مع الوقفات بنوع من المرونة وضبط النفس، بينما شهدت مدن أخرى تدخلات أمنية أفضت إلى اعتقال عدد من المتظاهرين.
وتناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا وفيديوهات توثق لتوقيف شباب، قالت أسرهم إنهم خرجوا “بشكل سلمي للمطالبة بحقوقهم”، مما يفتح الباب مجددًا للنقاش حول هامش حرية التعبير والحق في التظاهر المكفولين دستوريا.
إصلاح أم إعادة ترتيب الأولويات؟
رغم أن الحكومة أعلنت خلال السنوات الأخيرة عن إطلاق برامج إصلاحية مهمة، مثل تعميم التغطية الصحية، وتوسيع البنية التحتية الاستشفائية، وتحديث المناهج التعليمية، إلا أن الشارع يرى في هذه المبادرات خطوات بطيئة وغير ملموسة، في ظل تفاقم الأوضاع الاجتماعية وغياب الأثر المباشر لهذه السياسات على حياة المواطن اليومية.
الواقع يكشف عن مفارقة صارخة، في الوقت الذي تُخصص فيه ميزانيات ضخمة لملاعب كرة القدم وتنظيم تظاهرات كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم ومونديال 2030، تعيش المستشفيات والمدارس العمومية أوضاعًا وُصفت بـ”الكارثية”، ما يطرح سؤالاً حرجًا حول نموذج التنمية المعتمد، وجدواه بالنسبة للطبقات الشعبية.
صوت الشباب… رسالة مستعجلة
الاحتجاجات الأخيرة لم تكن عفوية بقدر ما هي تراكم لسنوات من الإحباط والتهميش. وهي تُعبّر عن جيل يشعر أنه خارج حسابات السياسات العمومية، ويبحث اليوم عن منفذ لإسماع صوته والدفاع عن حقه في تعليم جيد، وعلاج محترم، وفرص عمل تحفظ له كرامته.
هي صرخة لا يمكن تجاهلها، وإشارة إلى أن الاستقرار الاجتماعي لا يُبنى على الصمت، بل على العدالة.
والأمل، كل الأمل، أن يُترجم هذا الغضب المشروع إلى سياسات واقعية وشجاعة تُعيد الاعتبار للمواطن المغربي، لا كشعار انتخابي، بل كمحور رئيسي لأي إصلاح حقيقي.