تصريحات تبون حول G20 تُثير جدلاً واسعاً وتكشف فجوة بين الخطاب السياسي والواقع الاقتصادي

بوشعيب البازي

أثار تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أعلن فيه أن الجزائر أصبحت عضوًا في مجموعة العشرين (G20)، موجة جدل وسخرية على نطاق واسع، سواء داخل الجزائر أو على منصات التواصل الاجتماعي الإقليمية والدولية، وسط تساؤلات عن مدى واقعية هذا الادعاء، ومدى اتساقه مع المؤشرات الاقتصادية الفعلية للبلاد.

الرئيس تبون، خلال خطاب له مؤخرًا، أكد أن الجزائر “أصبحت عضوًا في مجموعة العشرين”، في إشارة إلى قمة العشرين المقبلة التي تنظمها البرازيل. وقد فُسرت هذه التصريحات من قبل العديد من المتابعين على أنها محاولة لإظهار الجزائر كقوة اقتصادية صاعدة على الساحة الدولية، وهو ما لقي تشكيكاً واسعاً من خبراء اقتصاديين وإعلاميين، اعتبروا التصريح بعيدًا عن الواقع.

تشكيك داخلي وانتقادات علنية

الصحفي الجزائري وليد كبير كتب في تدوينة له أن ما جاء في خطاب الرئيس “لا أساس له من الصحة”، مشيراً إلى أن الانضمام الرسمي إلى G20 يتطلب مؤهلات اقتصادية وجيوسياسية لا تزال الجزائر بعيدة عنها. وأضاف أن الخطاب الرئاسي يوحي بانخراط فعلي ضمن المجموعة، بينما الحقيقة تتعلق بدعوة لحضور القمة – وهو أمر مختلف عن العضوية الكاملة التي تحظى بها دول تمثل أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ردود الفعل لم تقتصر على النخب، بل عمّت قطاعات واسعة من الجزائريين على مواقع التواصل، حيث عبّر كثيرون عن استغرابهم من التصريحات، واقترح بعضهم بسخرية تغيير اسم المجموعة إلى “G100” لتشمل الجزائر، بينما تداول آخرون رسومًا كاريكاتورية تنتقد ما اعتبروه “مبالغات متكررة” في الخطاب السياسي الرسمي.

فجوة بين الطموح والإمكانات

اقتصاديون تحدثوا لوسائل إعلام محلية أشاروا إلى أن الجزائر، رغم ما تملكه من احتياطات طاقية وموقع استراتيجي، إلا أن اقتصادها لا يزال يعاني من تبعية مفرطة للمحروقات، في ظل غياب تنويع حقيقي للقطاعات الإنتاجية، واستمرار أزمات مزمنة في مناخ الاستثمار، البيروقراطية، وتذبذب السياسات الاقتصادية.

ويؤكد هؤلاء أن الانضمام إلى G20 لا يتحقق عبر الدعوات أو الطموحات، بل يُبنى على أسس صلبة من القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي والدبلوماسي، كما هو حال دول كألمانيا، الصين، الولايات المتحدة، اليابان، الهند والبرازيل، وغيرها من الاقتصادات الصاعدة ذات الثقل العالمي.

أزمات داخلية تضعف الموقف الخارجي

الخطاب الرئاسي يأتي في وقت تواجه فيه الجزائر تحديات داخلية كبيرة، من بينها ارتفاع معدلات البطالة، واستمرار الاحتجاجات الاجتماعية، وتوتر العلاقات مع بعض دول الجوار، فضلاً عن تراجع الحضور الدبلوماسي الجزائري على الساحة الإقليمية والدولية.

هذه الإشكاليات، برأي مراقبين، تؤثر بشكل مباشر على صورة البلاد في الخارج، وتقلل من فرصها في تحقيق قفزات نوعية على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي، ما يجعل التصريحات الرسمية بحاجة إلى قدر أكبر من الواقعية والحذر، حفاظاً على مصداقية الدولة أمام شركائها في الخارج والرأي العام في الداخل.

زلات متكررة أم استراتيجية خطابية؟

ليست هذه المرة الأولى التي يُتهم فيها الرئيس تبون بإطلاق تصريحات مثيرة للجدل. فقد سبق له أن تحدث، العام الماضي، عن استثمار ماليزي في الجزائر بقيمة 20 مليار دولار، وهو رقم أثار استغراب المتابعين، خاصة في ظل أن الثروة الإجمالية لأغنى رجال الأعمال في ماليزيا لا تتجاوز هذا الرقم.

كما سبق أن صرّح بأن الجزائر “ثالث أقوى اقتصاد في العالم”، في وقت تظهر فيه المؤشرات الدولية تصنيف الجزائر خارج قائمة أول 50 اقتصاداً عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي.

تساؤلات حول الخطاب الرسمي

تسلّط هذه التصريحات الضوء على أزمة أكبر تتعلق بالخطاب الرسمي في الجزائر، ومدى اتساقه مع الواقع. فهي تعيد طرح تساؤلات جادة حول كيفية بناء المواقف السياسية والاقتصادية في أعلى هرم السلطة، وحول ما إذا كان هذا النهج يعكس استراتيجية اتصال مدروسة، أم مجرد اجتهادات فردية محكومة بالرغبة في رفع المعنويات أو كسب شرعية شعبية.

في الحصيلة، يبقى الفرق كبيراً بين الحضور الرمزي في الفعاليات الدولية والانضمام الفعلي إلى أندية الكبار، وتبقى الحاجة ملحة إلى خطاب سياسي أكثر اتزاناً وواقعية، ينطلق من المعطيات الحقيقية ويتجه نحو بناء الثقة بدل استنزافها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com