جيل “زد” وصمت الأحزاب… عندما يعجز المشهد السياسي عن احتواء المستقبل

بوشعيب البازي

في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة المغربية خروجًا لافتًا لشباب “جيل زد” (مواليد نهاية التسعينات وبداية الألفية)، معبّرين عن مطالبهم واحتجاجاتهم في الشارع. هذا الحراك الشبابي، الذي بدا عفويًا وغير مؤطر، يعكس أزمة أعمق بكثير من مجرد تفاعل ظرفي مع وضع اجتماعي أو اقتصادي. إنها أزمة تمثيلية سياسية بكل المقاييس، تكشف أن جزءًا واسعًا من المواطنين، وخاصة فئة الشباب، لم يعد يرى نفسه في المشهد الحزبي المغربي.

36 حزبًا… وغياب التأطير

المفارقة الصادمة أن المغرب يعترف رسميًا بـ36 حزبًا سياسيًا. لكن الواقع يُظهر أن الرأي العام لا يعرف سوى أسماء 10 إلى 11 منها، هي التي تتقاسم السلطة التنفيذية والتشريعية، وتستقطب بالكاد 6 ملايين من أصل 38 مليون مواطن. أما باقي الأحزاب، فتكاد تكون هياكل صورية لا أثر لها في المجتمع ولا في المشهد الإعلامي أو النقاش العمومي.

الجزء الأكبر من هذه الأحزاب تأسس في فترات سابقة، عندما كانت شروط التأسيس لا تختلف كثيرًا عن تأسيس جمعية محلية، ما أدى إلى ظهور تنظيمات سياسية بقيت رهينة أُسر أو أشخاص بعينهم، ترفض التداول وتجديد النخب، وتكتفي باستغلال الدعم العمومي دون أي أثر ملموس في تأطير المواطنين أو المشاركة الجادة في صياغة السياسات.

أزمة بنيوية تتطلب قرارات جريئة

أمام هذا الواقع، تبدو الحاجة مُلحّة لإصلاح بنيوي في المنظومة الحزبية، من خلال إجراءات عملية تُعيد للمشهد السياسي جديّته وشرعيته. ويُطرح هنا اقتراح قانوني واضح: إما أن تُجدد الأحزاب غير النشطة قياداتها وتُفعّل هياكلها بشكل ديمقراطي وفعلي، أو يتم حلها قانونيًا.

هذا الإجراء لا يهدف إلى تقليص التعددية، بل إلى إنقاذها من الإفلاس التنظيمي والسياسي، وتوفير أطر سياسية حقيقية أمام الأجيال الجديدة من الفاعلين الذين يبحثون عن النضال من داخل المؤسسات، بدل اللجوء إلى الشارع.

إصلاح شروط الترشح… ضمان للعدالة السياسية

من بين العوائق التي يواجهها المواطن الراغب في الانخراط في العمل السياسي الجاد خارج الأطر الحزبية التقليدية، هناك شروط الترشح التعجيزية للمستقلين. فبينما يبدو جمع 100 توقيع من المواطنين في الدائرة المعنية شرطًا معقولًا، فإن اشتراط الحصول على توقيعات منتخبين حزبيين يُعد عقبة غير منطقية.

كيف يمكن لمترشح مستقل أن يحصل على توقيع خصم سياسي ينافسه على المقعد نفسه؟ هذه الشروط لا تؤدي إلا إلى احتكار المشهد السياسي من طرف الأحزاب القائمة، وتُقصي الطاقات الجديدة التي تسعى إلى دخول المعترك الانتخابي بشكل مستقل ونزيه.

من الشارع إلى المؤسسات… مسؤولية الجميع

يُدرك الجميع أن لا الاحتجاجات ولا الغضب الشعبي وحدهما يبنيان الديمقراطية. لقد أثبتت تجارب عديدة في محيطنا الإقليمي أن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا من داخل المؤسسات، عبر قوانين عادلة، وأحزاب ديمقراطية شفافة، وفضاءات سياسية مفتوحة للجميع.

غير أن مسؤولية الدولة هنا تظل محورية. فتمكين الفاعلين الجدد من دخول الحياة السياسية يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإصلاح البيئة القانونية والتنظيمية، وليس فقط الاكتفاء بتسيير ما هو قائم. المطلوب اليوم هو كسر حالة الجمود الحزبي، وفتح المجال أمام دينامية سياسية جديدة، تعيد الثقة وتستقطب الشباب، بدل دفعهم إلى الشارع.

إنه زمن إعادة بناء الثقة، وتصحيح اختلالات التمثيلية، وتطهير الساحة من الأجسام السياسية الميتة، وفتح المجال أمام من يريد الاشتغال من داخل المؤسسات… لا من خارجها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com