أزمة الصحة والتعليم في المغرب: حين تُهمّش الأولويات وتُضخّم التفاهات

بوشعيب البازي

رغم الزخم التنموي الذي يعرفه المغرب في عدد من المجالات، ورغم الميزانيات الضخمة التي تُرصد للتحضير لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، ما تزال المنظومة الصحية والتعليمية تعيشان أوضاعًا مأساوية، عنوانها الأبرز، التمييز الطبقي في الحق في العلاج والتعليم، وتراجع جودة الخدمات العمومية أمام زحف الخصخصة.

في الوقت الذي تُبنى فيه الملاعب، وتُنظم المهرجانات، وتُصرف الملايير على العروض الفرجوية، تُسجّل في المستشفيات العمومية مآسٍ يومية، ضحاياها مواطنون بسطاء لم يجدوا سريرًا ولا دواءً ولا طبيبًا، ولا حتى احترامًا لكرامتهم في لحظة ضعف.

حين يتحول المستشفى إلى “ورقة نعي”

فاجعة وفاة ثماني شابات بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، بعد عمليات ولادة قيصرية، لم تكن سوى نقطة في بحر من المعاناة اليومية التي يعيشها المرضى داخل المستشفيات العمومية. وقد فجّرت هذه الحادثة موجة من الاحتجاجات، ورفعت منسوب الغضب الشعبي تجاه سياسات صحية وُصفت بأنها غير عادلة، وتكرّس التفاوتات بدل الحد منها.

زيارة وزير الصحة إلى أكادير، وما تبعها من إعفاءات وتخصيص ميزانية طارئة، لم تُقنع الشارع. لأن الكارثة ليست في مدير أو تجهيز معطل، بل في منظومة بأكملها فقدت الروح والمعنى والعدالة. فالمواعيد الطبية، خاصة في التخصصات الحيوية، تُحجز بعد شهور وربما سنوات، حتى في الحالات المستعجلة. والأدوية والمستلزمات غالبًا ما تُطلب من المرضى رغم توفرهم على التغطية الصحية.

تعليم بطبقتين… لا يجمع أبناء الوطن الواحد

الوضع في قطاع التعليم لا يقل مأساوية. إذ يُجبر ملايين الأسر المغربية على دفع أموال طائلة للمدارس الخاصة، في مقابل تردّي مستمر في جودة التعليم العمومي الذي يفترض أن يكون مجانيًا ومتاحًا لجميع أبناء الوطن.

هذا الواقع يخلق طبقية تعليمية صارخة، حيث يدرس أبناء الطبقات الميسورة في مؤسسات خاصة، بينما يُترك الباقون لمصيرهم في أقسام مكتظة، تفتقر للموارد البشرية والتربوية.

في دول ديمقراطية حديثة، لا يُطرح هذا التمييز، ابنة الرئيس تجلس إلى جانب أبناء عمال النظافة في المدرسة العمومية، في تعبير فعلي عن المساواة الاجتماعية. أما في المغرب، فقد باتت المدرسة الخاصة رمزًا للنجاة من الفشل الجماعي، بدل أن تكون خيارًا بين بدائل متكافئة.

صحّة المواطنين ليست أولوية… رغم الوعود

رغم تعاقب الحكومات وتعدد البرامج وخُطب الإصلاح، لم يتحقق إلى اليوم أي تغيير بنيوي عميق في قطاع الصحة.

وإذا كانت التغطية الصحية الموحدة (AMO) قد شملت فئات واسعة، فإن ضعف البنية التحتية الصحية، ونقص الموارد البشرية، وهجرة الأطر، فرّغت هذا المكسب من مضمونه الحقيقي.

بحسب معطيات رسمية، فإن 74% من الأطباء المعيّنين في المناطق القروية يرفضون الالتحاق بمناصبهم، مما يعمّق فجوة الولوج إلى العلاج. وتزداد المعاناة في الهوامش، حيث لا توجد مستشفيات مجهزة، ولا وسائل نقل صحي آمن، في حين تبتلع المصحات الخاصة الجزء الأكبر من نفقات الدولة على العلاج.

الملاعب والمهرجانات مقابل الحق في الحياة

لا أحد ينكر أن تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، مثل كأس إفريقيا وكأس العالم، يمكن أن يعزز صورة المغرب عالميًا، ويخلق فرصًا اقتصادية. لكن يبقى السؤال الأخلاقي والسياسي، بأي منطق نرصد المليارات لبناء ملاعب جديدة بينما نساء حوامل يمتن بسبب غياب طاقم طبي أو جهاز فحص؟

ما الجدوى من استثمارات ضخمة في البنية التحتية الكروية، إذا كانت المنظومة الصحية تتهاوى، والمدارس العمومية تنهار، والمواطن المغربي يفقد الثقة يومًا بعد آخر في مؤسسات بلاده؟

هل يمكن إصلاح ما تم تدميره؟

صحيح أن الحكومة خصصت ميزانيات إضافية لقطاع الصحة، ووضعت خططًا لإعادة الهيكلة، وأعلنت عن إنشاء مستشفيات جامعية جديدة. لكن المتابعين يُجمعون على أن هذه الخطوات لن تكون ذات أثر فعلي دون إرادة سياسية صارمة، وضمان استقلالية المؤسسات الصحية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

بل إن بعض المراقبين يطالبون بإحداث هيئة عليا مستقلة للصحة، لضمان استمرارية السياسات بعيدًا عن التوظيف السياسي، وللتصدي لهيمنة القطاع الخاص المتوحش على الحق في العلاج.

ما يحتاجه المغاربة اليوم ليس المزيد من المهرجانات أو التظاهرات الرياضية، بل منظومة صحية وتعليمية عمومية قوية، مجانية، عادلة، وذات جودة.

الشعوب لا تُقاس بعدد الملاعب، بل بمستوى عيش مواطنيها، وجودة تعليم أبنائها، وكرامة مرضاها حين يمرضون.

إنقاذ ما تبقى من ثقة المواطنين، يبدأ من إعادة ترتيب الأولويات: الصحة والتعليم أولاً… والباقي تفاصيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com