اعتقال مواطن بسبب تصريح صحفي خلال مظاهرات يثير جدلاً في المغرب

بوشعيب البازي

في مشهد وصفه نشطاء وحقوقيون بأنه “الأغرب” ضمن سلسلة الاعتقالات المرتبطة بالمظاهرات، أثار توقيف مواطن مغربي بعد تقديمه تصريحًا صحفيًا على هامش إحدى الوقفات الاحتجاجية، موجة استغراب واسعة وتساؤلات عميقة حول حدود حرية التعبير في الفضاء العمومي بالمغرب.

الحادثة وقعت يوم أمس في إحدى المظاهرات التي خرجت في عدد من المدن المغربية، حيث وثقت عدسات الكاميرات لحظة تحدث المواطن بشكل سلمي إلى منبر إعلامي محلي، معبرًا عن رأيه في القضايا التي دفعت الناس إلى النزول للشارع. و قبل إنهاء التصريح، قامت عناصر أمنية بتوقيفه، وسط ذهول المارة والصحافيين.

حرية التعبير تحت المجهر

رغم أن الدستور المغربي في فصله 25 ينصّ بوضوح على ضمان “حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها”، إلا أن الممارسة الميدانية لا تزال تطرح إشكاليات متكررة، بحسب ما يشير إليه مراقبون. فالتصريحات السلمية أمام الكاميرات، إن لم تتضمن تحريضًا أو عنفًا، تعتبر في الدول الديمقراطية جزءًا من الحقوق المدنية المكفولة للمواطن، لا موجبًا للتوقيف أو الملاحقة.

وفي هذا السياق، عبّرت منظمات حقوقية عن قلقها من تزايد ما وصفته بـ”تجريم التعبير”، مشيرة إلى أن مثل هذه الممارسات قد تكرس مناخًا من الخوف وتُضعف الثقة في مؤسسات الدولة، خاصة في ظل تزايد التوتر الاجتماعي على خلفية قضايا معيشية وحقوقية ملحة.

التعتيم والغموض

ما زاد من غرابة الواقعة، بحسب شهود عيان، هو أن الاعتقال لم يتم خلال قيام المواطن بأي عمل مخل بالنظام العام، وإنما مباشرة بعد حديثه إلى الصحافة. كما لم تصدر إلى حدود اللحظة أي توضيحات رسمية حول سبب التوقيف، ما فتح الباب أمام التأويلات، وطرح علامات استفهام حول ما إذا كان مجرد التعبير عن الرأي قد أصبح مبررًا كافيًا للاعتقال.

واعتبر أحد المحامين المتابعين للملف أن “هذه الحالة، إن صحت معطياتها، تشكل سابقة خطيرة، لأنها تُظهر أن مجرد الإدلاء برأي في فضاء عام أصبح فعلاً محفوفًا بالمخاطر، وهو ما يتعارض مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان”.

مواقف متباينة

في المقابل، يرى بعض المتابعين أن من السابق لأوانه إصدار أحكام نهائية، مؤكدين على ضرورة انتظار توضيحات الجهات المختصة. إلا أن الصمت الرسمي إلى الآن، وغياب رواية رسمية مضادة، يُضعف من هذا الرأي ويغذّي الشكوك حول وجود تجاوز في التعامل مع المحتجين أو المتحدثين إلى الإعلام.

وقد أشار بعض النشطاء إلى أن الحادثة تندرج في سياق أوسع من التراجع في الحريات العامة، لافتين إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت تضييقاً متزايداً على الأصوات المنتقدة، سواء عبر الإعلام أو في منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يهدد بإغلاق المجال العمومي أمام النقاش والتعبير.

أزمة ثقة ومطالب بالشفافية

في ضوء هذه الواقعة، يتجدد النقاش حول العلاقة بين المواطن والدولة، وحدود الحريات التي يكفلها القانون مقابل الممارسة الواقعية. كما تتجدد المطالب بضرورة إصلاح منظومة العدالة وضمان استقلاليتها، بما يعزز ثقة المواطن في أن القانون يُطبق بمعايير واضحة لا تتأثر بالمواقف السياسية أو التعبير السلمي عن الرأي.

ويؤكد مختصون أن حماية الحريات العامة ليست فقط التزاماً دستورياً وأخلاقياً، بل شرط أساسي للاستقرار الاجتماعي والتنمية، إذ لا يمكن تحقيق تقدم اقتصادي أو سياسي في مناخ تغيب فيه حرية التعبير وتُخنق فيه المبادرات المدنية.

أكثر من مجرد حادثة

حادثة اعتقال مواطن بسبب تصريح صحفي، إن صحت تفاصيلها، لا يمكن اختزالها في مجرد خطأ فردي أو تجاوز معزول، بل تكشف عن حاجة ملحة إلى مراجعة السياسات الأمنية والتواصلية للدولة، خاصة في سياق متغير يتسم بارتفاع منسوب الوعي، وانتشار وسائل الإعلام المستقلة، وتزايد التطلعات الشعبية نحو الكرامة والعدالة.

وفي انتظار كشف الملابسات الكاملة للحادثة، يبقى الأمل قائماً في أن يتحول مثل هذا الحدث إلى فرصة لإعادة النقاش حول حرية التعبير في المغرب، لا إلى مجرد رقم جديد في قائمة التجاوزات غير المفسرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com