المغرب وإفريقيا: من الهوية المشتركة إلى الفعل الاستراتيجي

ماريا الزاكي

لم تعد الهوية الإفريقية للمغرب مجرد عنصر تاريخي أو بعد جغرافي، بل تحولت إلى استراتيجية عملية تتجسد في مشاريع كبرى وشراكات متينة، جعلت من المملكة بوابة نحو إفريقيا ومن إفريقيا فضاءً طبيعياً لتوسعها الاقتصادي والدبلوماسي والاجتماعي.

عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي: أكثر من رمزية

قرار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يوليوز 2017 لم يكن مجرد استرجاع لمقعد داخل مؤسسة قارية، بل مثل إعلان انخراط جديد في مشروع إفريقي مشترك. المغرب، الذي انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، لم يغادر إفريقيا فعلياً؛ فقد واصل ترسيخ حضوره عبر تعاون سياسي واقتصادي وديني مع بلدان القارة. خطاب جلالة الملك محمد السادس أمام القمة 28 بأديس أبابا أوضح بجلاء أن “إفريقيا تحتاج إلى المغرب بقدر ما يحتاج المغرب إلى إفريقيا”، وهو ما جسدته أرقام الاتفاقيات الموقعة التي تضاعفت منذ سنة 2000.

مشاريع استراتيجية: من أنبوب الغاز إلى ميناء الداخلة الأطلسي

لم يكتف المغرب بالشعارات، بل بادر إلى مشاريع ملموسة ترسخ التعاون جنوب–جنوب وفق قاعدة رابح-رابح.

  • أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب: مشروع استراتيجي يمتد على 5600 كلم، يشرك 13 بلداً إفريقياً أطلسياً، ويوفر دينامية تنموية لدول إفريقية غير ساحلية.

  • ميناء الداخلة الأطلسي: صنو ميناء طنجة المتوسط، لكنه موجه أساساً ليكون منصة للتبادل الإفريقي والدولي، بما يجعله مرشحاً ليصبح أكبر ميناء بإفريقيا.

هذه المشاريع شكلت قاعدة لإطلاق المبادرة الأطلسية تجاه دول الساحل والصحراء، والتي يقودها جلالة الملك شخصياً، عبر لقاءات متواصلة مع قادة ووزراء خارجية هذه الدول، لتأطيرها في إطار تنموي تكاملي.

إفريقيا في قلب الأجندة المغربية

الحضور الإفريقي في السياسات المغربية لم يعد موسمياً، بل أصبح جزءاً من المشروع التنموي الوطني. ففي خطابه أمام الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد رئيس الحكومة أن إفريقيا ليست فقط أولوية في السياسة الخارجية للمغرب، بل هي فضاء طبيعي لتنميته.

من جهة أخرى، تعزز الحضور المغربي عبر مبادرات نوعية:

  • الإعلان عن تنظيم المؤتمر الدولي الأول حول ضحايا الإرهاب في إفريقيا (أكتوبر 2025)، بما يجعل من المغرب منصة لدعم الاستقرار ومحاربة التطرف.

  • مساهمات أمنية ملموسة، كنجاح المخابرات المغربية في مساعدة نيجيريا بتحييد أحد قادة “بوكو حرام”.

شراكات مع القوى الكبرى: إفريقيا في الأفق

انفتاح المغرب على الصين والهند يعكس كيف أصبحت إفريقيا عنصراً جوهرياً في جاذبية المملكة.

  • الصين ارتقت إلى المرتبة الثالثة بين المستثمرين في المغرب، مع مشاريع ضخمة تفوق 10 مليارات دولار، أبرزها مصنع الألمنيوم الأخضر ومصنع البطاريات الكهربائية.

  • الهند دشنت أول مصنع لها خارج أراضيها لتصنيع المركبات المدرعة في المغرب، مستفيدة من الامتداد الإفريقي للمملكة.

الصحراء المغربية: نهاية زمن المناورات

التطورات الأخيرة تؤكد وجود إجماع دولي متزايد حول الوحدة الترابية للمغرب. إعلان الولايات المتحدة توجيه استثماراتها نحو الأقاليم الجنوبية، في إطار اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، يعزز هذه الدينامية ويضعف أصوات الانفصال.

المغرب قصة إفريقية في طور التشكل

المغرب اليوم ليس مجرد بلد إفريقي، بل فاعل إفريقي استراتيجي. قوته في استثمار هويته الإفريقية لتفعيل مشاريع واقعية، تعزز التنمية المشتركة، وتحوّل التحديات إلى فرص. العداء للمغرب يترنح في الوقت بدل الضائع، فيما يفتح أمام المملكة مسار مستقبل إفريقي واعد، يقوم على التكامل، التنمية، والاستقرار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com