المغرب بين مطرقة المطالب الاجتماعية وسندان القمع الأمني: الشارع ينتفض من جديد

بوشعيب البازي

الرباط – عادت المظاهرات لتشعل الشوارع في عدد من المدن المغربية، حيث خرج آلاف المواطنين للاحتجاج على تردي الأوضاع الاجتماعية، ورفعوا شعارات قوية تطالب بـ”العدالة الاجتماعية” و”الكرامة” و”الحق في الصحة والتعليم”، في مشهد يعيد إلى الأذهان احتجاجات سابقة شهدها المغرب خلال العقد الأخير.

ورغم الطابع السلمي الذي طبع أغلب المسيرات، فإن تقارير حقوقية وإعلامية تحدثت عن تدخلات عنيفة لقوات الأمن، تخللتها حالات تعنيف واعتقالات، وُثقت بالصوت والصورة في بعض الحالات، وأثارت موجة استنكار واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية.

مطالب شعبية متكررة.. ووعود مؤجلة

المحتجون، أغلبهم من الشباب، رفعوا لافتات تُندد بتدهور الخدمات الصحية وغلاء المعيشة، وتفشي البطالة، وتدهور جودة التعليم العمومي. شعارات من قبيل “لا تعليم، لا صحة، لا عدالة.. فين غادين بينا؟”، تعكس حالة احتقان اجتماعي متزايد.

يقول أحد المحتجين في مدينة الدار البيضاء:

“نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط مدرسة لأطفالنا ومستشفى يعالجنا، ووظيفة تحفظ كرامتنا…”.

الصحة والتعليم في عين العاصفة

قطاع الصحة: هشاشة متزايدة رغم الإصلاحات

رغم إعلان الحكومة عن مشاريع لتعميم التغطية الصحية وتحسين البنية التحتية، إلا أن الواقع الصحي في العديد من المناطق، خصوصاً القروية والنائية، لا يزال كارثيًا.

مستشفيات بدون أطباء، غياب التجهيزات الأساسية، وطوابير انتظار طويلة، دفعت بالكثيرين إلى فقدان الثقة في النظام الصحي العمومي.

مثال على ذلك، مستشفى إقليمي في جهة درعة تافيلالت ظلّ بدون طبيب إنعاش لأشهر، ما أدى إلى تحويل المرضى لمسافات طويلة نحو مستشفيات بعيدة، وغالبًا دون جدوى.

قطاع التعليم: هدر مدرسي وأقسام مكتظة

أما التعليم، فالمشهد لا يقل قتامة. تقرير برلماني صدر مؤخرًا أشار إلى أن أزيد من 300 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويًا، فيما تعاني المدارس العمومية من نقص فادح في الأطر التربوية وغياب البنيات التحتية، خاصة في المناطق المهمّشة.

مشاهد الأقسام المكتظة، والنقص في المواد الدراسية، والانقطاعات المتكررة عن الدراسة، أصبحت “عادية” في عيون المغاربة، لكنّها في العمق تشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبل الأجيال الصاعدة.

العنف الأمني… بين ضبط النظام وتكميم الأصوات

التقارير الميدانية لبعض الهيئات الحقوقية أظهرت أن العديد من الوقفات السلمية تعرضت للتفريق بالقوة، واستُعملت فيها أساليب “مفرطة” حسب وصفهم، بينها الضرب والدفع والسحل في بعض الحالات، خصوصًا في مدن مثل الرباط وفاس وطنجة.

رابطة حقوق الإنسان المغربية اعتبرت في بيان لها أن:

“اللجوء إلى العنف لتفريق احتجاجات سلمية هو انتهاك واضح للحق في التظاهر، ويزيد من تعميق هوة الثقة بين المواطن والدولة”.

من جانبها، تبرر السلطات الأمنية تدخلاتها بكون بعض الوقفات غير مرخصة أو تحوّلت إلى أعمال “فوضى”، لكنها لم تصدر بعد تقريرًا رسميًا مفصّلاً يشرح طبيعة هذه الأحداث، ما يفتح المجال لتأويلات واسعة.

إلى أين تتجه البلاد؟

أمام هذا الوضع، يتساءل مراقبون عن مستقبل العلاقة بين الشارع والدولة، خصوصًا مع تصاعد وتيرة الغضب الشعبي، وتفاقم الإحساس بـ”الحيف الاجتماعي”، مقابل بطء أو غموض في تفعيل مشاريع الإصلاح المعلنة.

في ظل هذا التوتر، يبدو أن البلاد تقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الانفتاح الجاد على مطالب الشارع ومعالجتها بحلول ملموسة، أو مخاطرة بانفجار اجتماعي قد يصعب احتواؤه لاحقًا.:

ما يجري في الشارع المغربي اليوم ليس مجرد احتجاجات موسمية، بل تعبير عن تحوّل عميق في وعي المواطنين ورغبتهم في لعب دور فاعل في تحديد مسار السياسات العمومية. فهل تستمع الدولة لهذا الصوت، أم تستمر في مقاربة أمنية قد تُؤجّج الأزمة أكثر مما تُخمدها؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com