عندما يتقن “النكافات الجدد” تقمص دور الصحفي: تحالف المصالح يطفو على السطح في زمن الاحتجاجات

بوشعيب البازي

في خضم الموجة الاحتجاجية التي يعرفها الشارع المغربي مؤخرًا، والتي تقودها فئات واسعة من الشباب تحت عناوين اجتماعية مشروعة، برزت على السطح ظاهرة مثيرة للانتباه بل للقلق ، خروج عدد من الوجوه الإعلامية، عبر قنوات يوتيوب وصفحات غير مهنية، للدفاع المستميت عن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في ما يشبه حملة مضادة للاحتجاجات، لكنها تفتقر للمصداقية والمهنية وتُثير أسئلة جوهرية حول أخلاقيات العمل الإعلامي واستقلاليته.

الغريب أن هؤلاء الأشخاص، الذين لا تربطهم علاقة بمهنة الصحافة لا من قريب ولا من بعيد، باتوا يُقدَّمون على أنهم “إعلاميون” أو “مؤثرون”، فقط لأنهم يمتلكون كاميرا وصفحة في منصة رقمية. لكن خلف هذا التوصيف الزائف، تتوارى مصالح مالية وصفقات شخصية مع دوائر القرار، هدفها تبييض صورة الحكومة في وقت يزداد فيه الغضب الشعبي، وتتسع الهوة بين المواطن والسلطة التنفيذية.

دفاع عن الحكومة أم عن الامتيازات؟

مصادر متقاطعة تحدثت عن عقود إشهار، وصفقات مع مؤسسات عمومية وشبه عمومية، ومراكز وهمية تُمنح لهؤلاء “المؤثرين” الجدد، مقابل خطاب يلمّع صورة الحكومة، ويحاول تبرير سياساتها الفاشلة أو التهوين من أثر الاحتجاجات. هذا النوع من التواطؤ، الذي يبدو في ظاهره دفاعًا عن “الاستقرار”، هو في حقيقته تحالف مصلحي يُفرّغ الإعلام من رسالته ويحوّله إلى أداة دعاية سياسية بامتياز.

المثير أن بعض هؤلاء يتحدثون باسم “الوطن”، في حين أن ما يدافعون عنه ليس سوى مصالحهم الخاصة المرتبطة بمواقعهم الجديدة داخل منظومة المنافع السياسية والاقتصادية. لقد بات واضحًا أن ما يدفعهم للخروج والدفاع عن الحكومة ليس الوعي السياسي أو الرؤية الوطنية، بل الارتباط المالي والمصلحي، في مشهد يُعيد إلى الأذهان ظاهرة “النكافات السياسية” التي تبيع المواقف لمن يدفع أكثر.

صحافة في خطر… وصمت مريب من النقابات

في مقابل هذا الانفلات، اختفت أصوات صحفية حقيقية، وأُغلقت جرائد كانت تسهم في صناعة الرأي العام، إما بسبب التجفيف المالي أو بسبب الحصار السياسي والإعلاني، بينما تُفسَح الساحة أمام “ميكروفونات مأجورة” لا تملك حتى الحد الأدنى من التكوين الصحفي، وتُمنح لها الشرعية عبر التكرار والترويج.

ما يبعث على القلق أن هذا التحول يتم في ظل صمت النقابات الصحفية ومجالس التقنين، وكأن الأمر لا يعنيهم، رغم أن الأمر يهدد استقلالية المهنة ويشوّه صورتها أمام الرأي العام، ويضرب ثقة المواطن في الإعلام برمته.

ما بين الإعلام والابتزاز… خط فاصل يجب استعادته

لقد أضحى ضرورياً اليوم وضع حد لهذا الخلط الخطير بين الإعلام والتسويق السياسي، بين الرأي والتحكم، بين الدفاع عن المصلحة العامة وتبرير سياسات تُعمّق الأزمة الاجتماعية. فالوطن ليس شركة، ولا الإعلام منصة للبيع والشراء. والمغاربة الذين يحتجون في الشارع لا يحتاجون لمن “يشرح لهم” الواقع من أبراج مكيّفة، ولا لمن يُتهمهم بالخيانة لأنهم يطالبون بحقهم في التعليم والصحة والعيش الكريم.

في بلد ديمقراطي، يُفترض أن يكون الإعلام سلطة مضادة، لا ذراعاً دعائيًا للحكومة، ولا وسيلة للدفاع عن شخصيات سياسية تبحث عن تلميع صورتها وسط أزمات متراكمة.

قبل محاسبة المحتجين… حاسبوا من يبيع المهنة

إن ما يقع اليوم من استرزاق على ظهر مهنة الصحافة، وركوب على موجة الوطنية، واستغلال لمواقع التأثير لتحقيق مصالح خاصة، يمثل خطرًا حقيقيًا على المشهد الإعلامي والسياسي في المغرب. وإن كانت الحكومة تُحاسَب على فشلها في الاستجابة لمطالب الشارع، فإن هؤلاء المتواطئين الجدد، الذين ينتحلون صفة الصحفي أو المحلل، يجب أن يُحاسَبوا كذلك، لأنهم باعوا الضمير المهني مقابل إعلانات وصفقات وامتيازات.

إن مستقبل المغرب لا يُبنى بالدعاية، ولا بتكميم الأفواه، ولا بإعطاء الكلمة لمن لا يستحقها. بل يُبنى بنقاش حر، مسؤول، شفاف، يُعيد ثقة المواطن في المؤسسات، ويجعل من الإعلام رافعة للتغيير لا أداة للتضليل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com