إنزكان بين غضب اجتماعي وانزلاق أمني: احتجاجات تتحول إلى “ثلاثاء أسود”

بوشعيب البازي

لم تكن ليلة الثلاثاء – الأربعاء بمدينة إنزكان عادية. فبينما كان يفترض أن تعبّر احتجاجات شبابية عن مطالب مشروعة تتعلق بالصحة والتعليم والتشغيل، تحوّل المشهد إلى انفلات خطير طبعته أعمال شغب وتخريب لم تسلم منها الممتلكات العمومية والخاصة.

شغب بدل الشعارات

سكان المنطقة والمتضررون من الأحداث وصفوا ما وقع بـ”الصدمة الكبرى”. فقد شهد الشارع الرئيسي للمدينة أعمال تكسير وإحراق واعتداءات طالت مؤسسات حيوية. من بينها وكالة للبريد بنك، محلات تجارية، صيدلية، مقاهٍ، مطاعم، وحتى سيارات خاصة جرى تهشيمها أو إحراقها.

رشيد بلبوز، فاعل مدني محلي، اعتبر أن ما وقع “وصمة عار”، مؤكدا أن الاحتجاج خرج عن إطاره السلمي ليتحول إلى “معركة شوارع” قادها شبان أغلبهم ملثمون، لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاما، وبعضهم قاصرون. وأوضح أن السكان وجدوا أنفسهم “رهائن للرعب والخوف”، بعدما تعرّضت مدينتهم، القطب الاقتصادي لجهة سوس، لليلة دامية غير مسبوقة.

شهادات السكان: غضب ممزوج بالأسى

من جانبه، لم يُخف محمد أمنون، أحد سكان إنزكان، استياءه العميق مما جرى، مشددا على أن الاحتجاج حق مكفول، لكن التخريب “عمل إجرامي” يسيء إلى صورة المدينة ويُعطّل مصالح المواطنين. وأشار إلى أن اقتحام وكالة البريد بنك وإضرام النار فيها تسببا في إتلاف تجهيزات أساسية، ما أدى إلى شلل خدماتي طال مئات المرتفقين.

وأضاف أن “الثلاثاء الأسود” ألقى بظلاله الثقيلة على الساكنة، التي عبّرت عن تضامنها مع أرباب المحلات المتضررة، مشيرا إلى أن ما وقع يستوجب متابعة قضائية صارمة، حفاظا على الأمن العام ومنعا لتكرار مثل هذه الممارسات.

بين المطالب والحدود

رغم الطابع التخريبي الذي طغى على المشهد، لا يُمكن تجاهل أن الشرارة الأولى لهذه الأحداث انطلقت من مطالب اجتماعية مشروعة رفعها شباب المدينة، شأنهم شأن باقي مناطق المغرب. مطالب تركزت حول تجويد الصحة والتعليم وتوفير فرص عمل، وهي ملفات عالقة منذ سنوات. غير أن تحول هذه الدينامية الاحتجاجية إلى شغب عنيف يُضعف صدقية الحراك ويفتح الباب أمام محاولات التوظيف أو الاختراق.

قراءة تحليلية: حدود الشرعية الاجتماعية

أحداث إنزكان تُعيد طرح سؤال جوهري ، أين تتوقف شرعية المطالب وتبدأ مسؤولية القانون؟. فالاحتجاج السلمي حق دستوري، لكن أي انزلاق نحو العنف يفرغه من مضمونه، ويمسّ بحقوق الآخرين. فالأمن لا يقل أهمية عن الحق في الصحة والتعليم، بل إن ضمان الحق في التظاهر يظل رهينا بقدرة المحتجين أنفسهم على حماية السلمية.

غير أن الاقتصار على إدانة التخريب لن يحل المعضلة. فالشباب الذين ملأوا الشوارع هم نتاج خيبات متراكمة من سياسات عمومية لم تفِ بوعودها، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم. وهنا تكمن المفارقة: المطالب عادلة، لكن الأسلوب الذي عُبّر عنه في إنزكان أضرّ بشرعيتها.

إلى أين؟

إنزكان قد تكون جرس إنذار لما يمكن أن تعرفه مدن أخرى، إذا لم تتدارك الحكومة الموقف بسياسات جريئة وملموسة. فالتنديد والشجب لا يكفيان. المطلوب إصلاح عميق يترجم إلى نتائج ملموسة، لأن إطفاء الحرائق الأمنية لن يُخفي حقيقة أن جذور الأزمة اجتماعية بامتياز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com