الاحتجاجات تتصاعد في المغرب: لماذا خرجت الأمور عن السيطرة؟

بوشعيب البازي

إخفاقات التعليم والصحة، ثغرات التدبير المحلي، ونتيجة وحدة — صدام بين المواطنين وأجهزة الأمن

المدن المغربية عاشت في الأيام الأخيرة موجة احتجاجية متصاعدة خرجت في بعض محطاتها عن إطار السلمية التي يُفترض أن تُميّز التحركات المدنية. ما بدا في البداية تعبيرات محلية عن احتقان اجتماعي متراكم، تحوّل لدى البعض إلى مواجهات مع قوات الأمن، ما وضع وزارة الداخلية في مركز أزمة غير مسبوقة من حيث الإدارة والتواصل. لكن لفهم هذا الانفجار ينبغي الغوص في الأسباب البنيوية التي أوصلت البلد إلى هذا العتبة.

جذور الأزمة: تراكمات قطاعية واجتماعية

ثمة عناصر مشتركة تكررت في معظم بؤر الاحتجاجات:

  1. إخفاقات التعليم: منذ عقود تُنبه تقارير متخصصة إلى هفوات حقيقية في جودة التعليم العام، تفاوت كبير بين الحواضر والبادية، ضعف مرافق التكوين المهني، وإحساس لدى شرائح واسعة أن منظومة التعليم لا تواكب سوق الشغل. هذا الشعور يترجم لدى الشباب خصوصاً إلى فقدان للآفاق، وبالتالي هشاشة أمام التحريض والغضب.
  2. ثغرات القطاع الصحي: الضغوط المتكررة على المستشفيات العمومية، طول فترات الانتظار، نقص التغطية الصحية النوعية في عدد من المناطق الداخلية، وغياب آليات فعالة لتقييم الأداء، كلها عوامل غذّت استياء المواطنين وأضعفت ثقتهم في قدرة الدولة على توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
  3. ضعف تدبير القرب واللامركزية: كثير من شكايات المحتجين تتعلق بعدم وجود قنوات مجدية للاستماع المحلي، وإحساس بعدم تمثيل حقيقي للمطالب على مستوى الجماعات المحلية أو الولاة. حيثما فشل تفعيل آليات الحوكمة القريبة، تزايد الميل إلى النزول إلى الشارع كوسيلة أخيرة للمطالبة بالحقوق.

وزارة الداخلية بين الحفاظ على الأمن واحترام الحقوق

عندما تتحول التظاهرات إلى اشتباكات، تجد وزارة الداخلية نفسها ملزمة بحفظ الأمن العام. لكن المواجهة الأمنية وحدها لا تحل المشكلة: تصاعد استعمال القوة دون استراتيجيات تواصل وتصحيحية يؤدي إلى تفاقم الاحتقان. هذا الازدواج بين الرد الأمني وغياب الحلول السياسية أو الإدارية السريعة جعل الوزارة طرفاً في المواجهة بدل أن تكون وسيطا لإدارة الأزمة.

إخفاقات أخرى متقاطعة

لا تقتصر الخروقات على التعليم والصحة فقط. يتم رصد اختلالات إدارية واقتصادية في مجالات أخرى — كالبطالة المدرّبة، ضعف السياسات السكنية، وتأخر مشاريع تنموية في مناطق محددة — ما يخلق شعوراً عاماً بأن الآليات الحكومية لا تعمل بكفاءة كافية لحماية السلم الاجتماعي والتنمية المتوازنة.

لماذا خرج الضغط إلى عنف؟

علمياً واجتماعياً، الضغط المستمر الناتج عن شعور الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي يؤدي إلى انفعالات مركّبة. غياب آليات شرعية وفاعلة للإنصات، تأخر الاستجابة، والإحساس بالعجز تجاه مؤسسات الدولة، كل ذلك يساهم في نسق يُفضي إلى الاحتكاك مع السلطات. وتُظهر الخبرة بأن الحل الأمني الجزئي قد يوقّي عارضاً لكنه لا يعالج الجذر.

لمنع تدهور الوضع واحتواء الاحتقان، يتطلب الأمر إجراءات عملية متوازنة بين الاستجابة العاجلة والإصلاح البعيد الأمد مع تقديم الحكومة استقالتها فورا.

الضغط المتراكم قد يولد العنف، لكن العكس أيضاً صحيح: انعدام الإصلاح يصعد الاحتقان. الطريق الأمثل للخروج من هذه اللحظة الحرجة ليس في تكرار المواقف الأمنية وحدها، ولا في الشعارات، بل في مراجعة شاملة لمسارات السياسات العمومية التي تمسّ حياة المواطنين المباشرة، وفي تفعيل آليات إنصات حقيقية. أمام السلطة فرصة لإثبات قدرتها على الإصلاح وإرجاع السلم الاجتماعي عبر مزيج من الحلول العاجلة والهيكلية — وإلا فثمن البقاء على الوضع الراهن سيكون أثقل بكثير من تكلفة الإصلاح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com