الرباط – يتكرر في النقاشات العمومية سؤال جوهري: هل يمكن دستورياً إقالة رئيس الحكومة في المغرب؟ وما هي الآليات التي يتيحها دستور 2011 للتعامل مع حالة فشل الحكومة أو حدوث انسداد سياسي؟
منذ إقرار الدستور الجديد، تم تعزيز موقع رئيس الحكومة وتوسيع صلاحياته التنفيذية، إلا أن ذلك لم يمنع من وضع ضوابط وآليات واضحة لإنهاء مهامه أو مهام الحكومة ككل، سواء بمبادرة شخصية، عبر البرلمان، أو في إطار تدخل ملكي في حالة الأزمات.
الاستقالة كمدخل دستوري
ينص الفصل 47 من الدستور على أن استقالة رئيس الحكومة تُعد استقالة للحكومة بأكملها. هذا يعني أن رئيس الحكومة هو الطرف الوحيد القادر على إنهاء ولايته بشكل مباشر بإرادته، حيث يقدم استقالته للملك، الذي يكلف بدوره شخصية أخرى من الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية لتشكيل حكومة جديدة.
ملتمس الرقابة: آلية برلمانية لإسقاط الحكومة
إلى جانب الاستقالة، يضع الدستور بين أيدي مجلس النواب أداة قوية تتمثل في ملتمس الرقابة. وفق الفصل 105، يمكن للمجلس إسقاط الحكومة إذا تقدم خمس أعضائه على الأقل بملتمس رقابة وحصل على تأييد الأغلبية المطلقة. في حال الموافقة، تُعد الحكومة مستقيلة بحكم الدستور. هذه الآلية تعكس المبدأ الديمقراطي القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، لكنها في الممارسة نادراً ما تُفعّل نظراً لتوازنات الأغلبية والمعارضة.
حدود صلاحيات الملك في الإقالة
بخلاف ما قد يعتقده البعض، لا ينص الدستور بشكل صريح على إمكانية إعفاء الملك لرئيس الحكومة مباشرة. صحيح أن الملك يمكنه، استناداً إلى الفصل 47، إعفاء عضو أو أكثر من الحكومة بطلب من رئيس الحكومة أو بمبادرة منه بعد استشارته، لكن هذه الصلاحية لا تمتد إلى رئيس الحكومة نفسه.
ومع ذلك، يظل للملك دور محوري بموجب الفصل 42، الذي يجعله “الحكم الأسمى بين المؤسسات” وضامن دوام الدولة واستمرارها. في حالات الأزمات السياسية أو الانسداد المؤسساتي، يمكن للملك التدخل لحماية السير العادي للمؤسسات، بما في ذلك حل البرلمان أو الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة.
بين النص والتطبيق
توضح هذه المقتضيات أن إقالة رئيس الحكومة في المغرب لا تتم إلا عبر مسارين رئيسيين: الاستقالة الطوعية أو ملتمس الرقابة البرلماني. أما تدخل الملك فيظل محكوماً بظروف استثنائية مرتبطة بالأزمات الكبرى، ويُمارس باعتباره ضامناً للتوازن المؤسساتي وليس طرفاً مباشراً في الصراع السياسي.
الإطار الدستوري المغربي حدد بدقة سقف صلاحيات كل مؤسسة في مسألة إنهاء مهام رئيس الحكومة. وإذا كان النقاش العمومي كثيراً ما يربط مصير الحكومات بالمزاج الشعبي أو بالاحتجاجات الاجتماعية، فإن الدستور يجعل من البرلمان ورئيس الحكومة نفسه الآليتين الأساسيتين لتغيير السلطة التنفيذية. بين قوة النصوص وحدود الممارسة، يظل السؤال مطروحاً: هل تتجرأ القوى السياسية يوماً على تفعيل ملتمس الرقابة، أم يبقى هذا الخيار حبيس النصوص دون ترجمة عملية؟