قضية رضا الطوجني: بين حرية التعبير وشبهات شراء الصمت الإعلامي

بوشعيب البازي

الرباط – أثارت تصريحات اليوتيوبر المغربي رضا الطوجني جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، بعدما كشف في بث مباشر أنه عُرضت عليه مبالغ مالية ضخمة بشكل شهري مقابل التوقف عن انتقاد رئيس الحكومة عزيز أخنوش. الطوجني أضاف أن الأمر لم يقتصر على شخصه، بل امتد إلى أسماء أخرى في الساحة الإعلامية والصحفية ومؤثرين على مواقع التواصل، استفادوا ـ بحسب قوله ـ من عروض مماثلة مقابل الدفاع عن حزب التجمع الوطني للأحرار أو على الأقل التزام الصمت تجاه رئيسه.

اتهامات تهز صورة الحكومة

التصريحات التي أدلى بها الطوجني أعادت إلى الواجهة سؤال الشفافية في العلاقة بين السياسة والإعلام بالمغرب. فحين يتحدث أحد صانعي المحتوى عن “قوائم” تضم مستفيدين من ريع إعلامي مقابل الولاء السياسي، فإن ذلك يثير شكوكا جدية حول نزاهة المشهد الإعلامي ومدى استقلاليته. في السنوات الأخيرة، لوحظ بالفعل بروز عدد من الصفحات الإلكترونية والمواقع الإخبارية التي اتخذت خطاً تحريرياً منحازاً بشكل لافت لصالح رئيس الحكومة، ما غذّى الانطباع بوجود شبكات تمويل غير معلنة.

مطلب التحقيق

أمام خطورة هذه الادعاءات، يبرز مطلب أساسي: فتح تحقيق قضائي شفاف. فإذا كانت تصريحات الطوجني صائبة، فإننا أمام قضية تمس صميم الثقة في المؤسسات، حيث يتحول المال إلى أداة لإسكات الأصوات الحرة والتحكم في الرأي العام. أما إذا ثبت العكس، فذلك لا يقل أهمية، لأنه سيكشف عن مدى توظيف الاتهامات غير المؤسسة كوسيلة لتأليب الشارع. في الحالتين، التحقيق يظل السبيل الوحيد لحسم الجدل وإرساء الثقة.

بين دولة القانون ودولة الفساد

القضية المطروحة تمثل اختباراً حقيقياً لمدى صلابة دولة الحق والقانون في المغرب. فإذا بادر القضاء إلى فتح الملف بكل استقلالية، سيكون ذلك إشارة قوية على أن زمن الإفلات من المحاسبة قد ولّى، وأن لا أحد فوق المساءلة مهما كان موقعه. أما إذا تم تجاهل التصريحات بدعوى أنها “مجرد كلام يوتيوبر”، فإن ذلك لن يؤدي سوى إلى تعميق صورة بلد يترك المجال مفتوحاً لشبهات الفساد والتلاعب بالخطاب الإعلامي.

تصريحات رضا الطوجني ليست مجرد جدل عابر على مواقع التواصل، بل مرآة تكشف هشاشة العلاقة بين المال والسياسة والإعلام في المغرب. إن حسم هذا الملف لا يتوقف عند شخص اليوتيوبر أو رئيس الحكومة، بل يتجاوزهما إلى جوهر المشروع الديمقراطي برمته. فإما أن يكرّس المغرب مسار دولة القانون والمساءلة، وإما أن يترك الساحة مفتوحة أمام منطق الريع السياسي وشراء الولاءات، وهو المسار الذي لا يخدم لا الدولة ولا المجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com