احتجاجات “جيل زد” بين شرعية المطالب ومأزق العنف: نحو أي أفق للحوار؟

ماريا الزاكي

تشهد مدن مغربية عدة منذ أسابيع موجة من التظاهرات قادها شباب ينتمون إلى ما يُعرف بـ”جيل زد”، رافعين شعارات مطلبية ذات طابع اجتماعي، على رأسها تحسين جودة التعليم العمومي والصحة وتوسيع آفاق التشغيل. وبينما اكتسبت هذه الحركة زخما متناميا في بداياتها، بدأت التحديات تفرض نفسها مع تسجيل حالات عنف وتخريب، مما ألقى بظلال من الشك على مستقبل هذا الحراك.

دعم مشروط من الأحزاب والنقابات

أصدرت هيئات حزبية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني بيانات داعمة للمطالب الاجتماعية، لكنها في الوقت نفسه شددت على ضرورة التشبث بالسلمية والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يُفرغ الاحتجاج من قيمته. حزب التقدم والاشتراكية، مثلا، اعتبر أن صوت الشباب وصل وأن رسالتهم حظيت بتأييد واسع، لكنه دعا إلى تفادي الانجرار وراء مواجهات غير محسوبة، مطالبا بفتح قنوات للحوار وتعزيز دور الأحزاب والنقابات كوسائط طبيعية بين الدولة والمجتمع.

أما حزب الاستقلال، الشريك في الحكومة، فقد تبنى موقفا مزدوجا: الإقرار بشرعية المطالب الاجتماعية من جهة، وإدانة ما وصفه بـ”الانفلاتات الخطيرة” من عنف وتخريب واعتداء على الممتلكات من جهة أخرى.

أصوات أكاديمية وتحذيرات حقوقية

الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير لخصت الموقف بقولها إن المطالب مشروعة وتعكس أزمات حقيقية يعيشها المجتمع المغربي، لكن الانحراف نحو العنف يضرب مصداقية الحركة، ويُضعف فرص الحوار. وأشارت إلى أن غياب لجان منظمة تتحدث باسم المحتجين يجعل المؤسسات تجد صعوبة في التفاعل مع هذا الحراك.

في الاتجاه ذاته، أكدت منظمات حقوقية كـ”المنظمة المغربية لحقوق الإنسان” أنها مستعدة لفتح أبوابها للشباب من أجل حوار مؤسساتي يضع مطالبهم في صلب النقاش العمومي، لكنها في المقابل أدانت أي أعمال غير قانونية من شأنها تهديد استمرارية المرافق العمومية أو الاعتداء على الممتلكات.

الدولة بين منطق الأمن وضغط الشارع

وزارة الداخلية شددت، عبر الناطق باسمها رشيد الخلفي، على أن التدخلات الأمنية لم تكن سوى “الخيار الأخير” في مواجهة قلة من المحرضين، مؤكدة أن قرار المنع في بعض المناطق استند إلى مقتضيات قانونية تراعي التوازن بين الحق في التظاهر السلمي وحماية الأمن العام.

لكن الأحداث التي شهدتها مدن مثل إنزكان ووجدة وآيت عميرة، حيث تطورت الاحتجاجات إلى مواجهات عنيفة شملت رشق القوات الأمنية بالحجارة ومحاولة مهاجمة مراكز للدرك الملكي، أظهرت حجم التوتر القائم، وأثارت إدانات واسعة من طرف مواطنين وهيئات سياسية ونقابية.

أي مخرج للأزمة؟

أمام هذا المشهد، يبدو أن المغرب يقف عند مفترق طرق. من جهة، هناك مطالب اجتماعية مشروعة تستدعي استجابة سياسية ومؤسساتية عاجلة، ومن جهة أخرى هناك انزلاقات تهدد بتحويل الحراك إلى أزمة أمنية وفوضى اجتماعية.

الحل، بحسب معظم الفاعلين، يكمن في مسارين متوازيين:

  1. فتح حوار مؤسساتي جاد مع الشباب والاستماع إلى أولوياتهم التنموية.
  2. تشبث المحتجين بالسلمية باعتبارها الضمانة الوحيدة لحماية شرعية مطالبهم واستمرار الدعم المجتمعي لها.

يبقى السؤال، هل تنجح الدولة في تحويل هذه اللحظة الاحتجاجية إلى فرصة لإعادة صياغة عقد اجتماعي جديد مع الشباب؟ أم أن الانزلاق نحو العنف سيجهض مسعى التغيير ويكرّس القطيعة بين جيل صاعد ومؤسساته؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com