«جيل زيد» في الشارع المغربي: صرخة أم فوضى؟ قراءة تحليلية مع صوت خبير

بوشعيب البازي

الرباط — شهد المغرب في أواخر سبتمبر 2025 خروج موجة احتجاجية لافتة حملت فيها مجموعات شبابية تحت إسم Gen Z مطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية مركّزة على الصحة والتعليم ومكافحة الفساد. تحولت بعض المسيرات السلمية إلى مواجهات وأعمال تخريب في مدن عدة، فيما اتخذت السلطات إجراءات أمنية وصفتها بأنها ضرورية لحفظ النظام العام. 

 مطالب معروفة، حاضنة جديدة

المطالَب التي رفعتها التظاهرات لم تكن جديدة: تحسين الخدمات الصحية، إنقاذ منظومة التعليم، ومحاربة الفساد متداولة في الساحة العامة منذ سنوات عبر شكاوى طلابية واحتجاجات قطاعية. الجديد كان في «الفئة الحاضنة» — شباب ويفان يكتبون اليوم «جيل زيد» على لافتاتهم ويستخدمون الفضاء الرقمي كمنصة انطلاق إلى الشارع. هذا التحالف بين مطالب متراكمة وفئة شبابية متحفزة صنع ظرفية تختلف عن احتجاجات سابقة. 

واقع الشارع ،  بين السلمية والعنف

في عدة مدن — من الرباط والدار البيضاء إلى سلا وإنزكان — بدت الصورة مركبة: مسيرات سلمية وآلاف المحتجين من جهة، ومشاهد عنف وليالي من التخريب من جهة أخرى، أفرزت خسائر مادية واعتقالات وإصابات. الروايات الصحافية تشير إلى أن جزءًا من الاحتجاجات بقي سلميًا، فيما تسببت أعمال شغب متفرقة في تشويه رسالة المطالب الأساسية وأعطت ذريعة لتدخل أمني أوسع. 

قراءة نفسية واجتماعية ، ماذا يقول الدكتور عبد الله بوصوف؟

لإضاءة هذا الملف نقف عند قراءة الدكتور عبد الله بوصوف، التي وصلتنا بالكامل عن «جيل زيد» ورصدت مزيجًا من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية التي تفسر سلوك هذه الفئة. بوصوف لا ينفي مشروعية المطالب، لكنه يربط بين ما وصفه بـ«الجيل القلق» وتجارب تراكمت — من أزمة 2009، إلى تداعيات الكوفيد، وارتفاع تكاليف المعيشة — ما أنتج شعورًا باليأس والقلق لدى فئة عريضة من الشباب. كما يشدّد على دور الفضاء الرقمي والهاتف المحمول في تعميق العزلة وتشكيل لغات تواصل جديدة داخل غرف الدردشة المظلمة وغرف الألعاب الإلكترونية التي قد تُطلِق سلوكيات عنف لغوية وتنموية.

«جيل زيد من الفضاءات الرقمية إلى الفضاءات العمومية…

نحن بحاجة أكثر إلى الإنصات لبعضنا البعض كعائلة كبيرة واحدة دون ترك الهوامش للغير.» — د. عبد الله بوصوف.

يُضيف بوصوف ملاحظات هامة ، أن الانسحاب التكتيكي للشباب إلى عالم الألعاب والغرف الرقمية لا يعني بالضرورة انغلاقًا نهائيًا، بل قد يكون تحضيرًا لردة فعل جماعية عندما يُسمح الشرخ المتراكم بالانفجار؛ وأن بعض مظاهر التنظيم والإعداد تشير إلى وجود أيادٍ تخطيطية تستغل المطالب المشروعة. نورد تحليله كاملاً كمرجعية لفهم أبعاد الظاهرة الاجتماعية والسيكولوجية التي رافقتها. (نص التحليل متوفر لدى تحرير الصحيفة).

بين الرقمي والعمومي: آليات التحويل

الفضاء الرقمي كان وسيطًا مزدوج الوجهة ،  محفّزًا لنشر السخط وتنظيم اللقاءات، وفضاءً سهّل نقل التجارب الدولية (من نيبال إلى مدغشقر والبيرو) وتبادل أساليب الاحتجاج، لكنّه أيضًا بيئة سهلة التوظيف من أطراف تسعى للتأثير السلبي أو التصعيد. هذا التحوّل السريع من المظلات الافتراضية إلى الحشد المادي كشف هشاشة آليات التواصل التقليدية (حكومات، أحزاب، نقابات) وعدم قدرتها على امتصاص غضب الشباب أو قنواته التعبيرية. 

أين يكمن الحل؟ مزيج من الحزم والحوار والاندماج

تقدم قراءة بوصوف مصفوفة حلول عملية لا تختزل الأمر في مجرد خطاب أمني ولا في غض الطرف عن العنف. يمكن اختصار الأولويات في أربعة محاور:

  1. ضمان الأمن واحترام القانون: حماية الممتلكات والأرواح واجبة، لكن يجب أن تكون متناسبة وتراعي حقوق التظاهر السلمي. (خطأ التصعيد الأمني قد يولّد دوامة عنف متبادلة).  
  2. إطلاق سياسات شبابية ملموسة ، برامج تشغيل، مدونات تأهيل مهني، وقاعات ونشاطات شبابية مهيكلة تخرجهم من «الغرف المظلمة» إلى فضاءات إنتاجية تعليمية وثقافية — كما اقترح بوصوف.
  3. تسريع إصلاحات في الصحة والتعليم: خطوات سريعة وواضحة في تمويل وتحسين الخدمات، مع خارطة طريق زمنية ومؤشرات شفافة تُظهر النية والإمكانات.
  4. تنظيم الفضاء الرقمي ومحاربة التوظيف الضار: مراقبة الخطاب التحريضي، محاربة التضليل، وبرامج توعوية نفسية رقمية تفتح قنوات للحوار والتوجيه بدل الانسحاب.

تبعات سياسية واجتماعية

تُعد هذه الاحتجاجات اختبارًا لحكومة قِوامُها بين الرد الأمني والاستجابة السياسية. على مستوى الرأي العام، قد يرتد المشهد بتقوية المطالب الاجتماعية أو بعكسه — تشديد سياسات القمع أو تبني إصلاحي حقيقي. الإعلام والهيئات المدنية مدعوّون إلى نقل الوقائع بمسؤولية وتفادي ممارسات تزيد من الاحتقان أو تعبّر عن توظيف مسيّس للمأساة الشبابية. 

من «صرخة» إلى «خارطة طريق»

لا يمكن تجاهل رسالة «جيل زيد»؛ فهي تجمّعت فوق أرضٍ خصبة من المآسي الاقتصادية والاجتماعية والقلق الوجودي. إن نجحت الدولة والمجتمع المدني والأُسر في تحويل هذه الصرخة إلى خارطة طريق واضحة تُعنى بالشباب — تعليمًا، صحة، عملًا وفضاءات للتعبير الشرعي — فإن المغرب قد يكسب دفعة للتجديد الاجتماعي والسياسي. أما إن غلبت منطق المقاربة الأمنية وحدها أو سمحنا للخطاب المشوّه بتجاوز المطالب، فسنشهد تكرارًا لدورات الاحتقان نفسها. ورغم كل التعقيدات، يظل مخرجُ بوصوف واضحًا: الاستماع بالجدية نفسها التي أطلق بها الجيل صرخته، والعمل الملموس لإقحامه في مسارات بناء لا في دوامة التخريب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com