حكومة أخنوش بين خطاب الحوار وواقع الإخفاقات: هل حان وقت الاستقالة؟

حنان الفاتحي

أمام تصاعد موجة الاحتجاجات الشبابية وما رافقها من أعمال عنف في مختلف المدن المغربية، خرج رئيس الحكومة عزيز أخنوش ليؤكد مجددًا انفتاح حكومته على الحوار والتجاوب مع تطلعات الشباب. لكن خلف هذا الخطاب الرسمي، تتكشف أزمة ثقة عميقة بين السلطة التنفيذية والمجتمع، تُغذيها سنوات من الوعود غير المحققة، والارتباك في التعامل مع الملفات الاجتماعية الملحة.

خطاب الحوار… وواقع القطيعة

أكد أخنوش أن حكومته “مستعدة للنقاش من داخل المؤسسات والفضاءات العمومية”، فيما شدد الناطق الرسمي مصطفى بايتاس على أن السلطة التنفيذية في “جاهزية فورية للحوار”. غير أن هذا الانفتاح المعلن يتناقض مع شعور واسع لدى الشارع بأن صوت المواطن لا يجد طريقه إلى القرارات الفعلية، وأن ما يقدَّم من مبادرات يظل أقرب إلى الشعارات منه إلى السياسات الملموسة.

فعلى الرغم من الزيادات المعلنة في ميزانيات الصحة والتعليم منذ 2021، تبقى المدرسة العمومية غارقة في الأزمات البنيوية، والمستشفى العمومي عاجزًا عن استعادة دوره كملاذ للفئات الهشة. ويقرّ الناطق الرسمي نفسه بأن “ما تحقق حتى الآن غير كافٍ”، اعتراف ضمني بإخفاقات حكومة وصلت منتصف ولايتها دون أن تغيّر شيئًا جوهريًا في معاناة المواطنين.

احتجاجات تكشف عمق الأزمة

اندلعت الاحتجاجات الأخيرة بدوافع اجتماعية صِرفة ، غلاء المعيشة، تدهور الخدمات العمومية، انسداد آفاق التشغيل أمام الشباب. لكن غياب قنوات حقيقية للاستماع والتفاعل حوّل بعض هذه التحركات إلى أعمال عنف وفوضى.

وزارة الداخلية أعلنت أن 70% من مثيري الشغب كانوا قاصرين، وهو مؤشر خطير على حالة الإحباط واليأس التي تطال جيلاً كاملاً. كما سُجّلت ثلاث وفيات وعشرات الإصابات، بينها 589 عنصر أمن، فضلًا عن تخريب ممتلكات عامة وخاصة. هذه الأرقام لا تعكس فقط أزمة أمنية، بل تُترجم في العمق فشل السياسات العمومية في احتواء الغضب الاجتماعي.

حكومة رهينة التبريرات

منذ تسلمها السلطة، لم تتوقف حكومة أخنوش عن إلقاء اللوم على “تراكمات الماضي” و”الأمراض المزمنة” التي تعاني منها القطاعات الاجتماعية. لكن مرور أربع سنوات تقريبًا على ولايتها يكفي ليُحاكم الأداء لا النوايا.

الحكومة تروّج لبرامج كبرى في الصحة والتعليم والتشغيل وريادة الأعمال، لكن أثرها الملموس على حياة المواطن يكاد يكون منعدمًا. المواطن العادي لا يُقيم البرامج المعلنة على الورق، بل يقيّم واقعه حين يذهب إلى مستشفى عمومي بلا تجهيزات أو حين يواجه فاتورة أسعار ملتهبة في الأسواق.

انهيار الثقة الشعبية

المفارقة أن حركة “جيل زد 212”، التي تقود التعبيرات الشبابية عبر منصات التواصل الاجتماعي، جددت التزامها بالسلمية ورفض العنف. غير أن عنف الشارع يعكس تآكل الثقة بين الشباب والحكومة، وإحساسًا متناميًا بأن هذه السلطة التنفيذية تفتقر للقدرة على الإصغاء الفعلي، فضلًا عن افتقارها للجرأة السياسية اللازمة لتقديم حلول عميقة لا ترقيعات ظرفية.

هل حان وقت الاستقالة؟

الحكومات تُقاس بقدرتها على حماية السلم الاجتماعي وتحقيق المطالب الأساسية للمواطنين. وفي هذا المضمار، لم تفلح حكومة أخنوش في تقديم ما يُثبت جدارتها بالاستمرار. فالأزمات تتعمق: من المدرسة إلى المستشفى، ومن الشارع إلى القدرة الشرائية، وكلها عناوين لفشل جماعي في إدارة الشأن العام.

إن خطاب الحوار لم يعد يقنع أحدًا، وما يتطلبه الوضع اليوم ليس مجرد دعوات متكررة للإنصات، بل قرارات شجاعة قد تبدأ باستقالة حكومة لم تعد قادرة على خدمة مصالح الشعب، وفتح المجال أمام عقد اجتماعي جديد يعيد الثقة بين المواطن والدولة.

المغرب يقف عند مفترق طرق حاسم ، إما الاستمرار في الدوران في حلقة الوعود والشعارات، أو القطع مع منطق التبرير والانتقال إلى مرحلة الفعل. استقالة الحكومة قد لا تكون الحل السحري، لكنها قد تمثل بداية استعادة الثقة المفقودة، وإشارة إلى أن المسؤولية السياسية ليست مجرد منصب، بل التزام يومي بخدمة المواطن أولًا وأخيرًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com