إنزكان.. هجوم غير مسبوق على مركز للدرك يضع سؤال الشرعية الاجتماعية في مواجهة منطق الدولة
نادية الواجب
شهدت مدينة إنزكان – أيت ملول ليلة الأربعاء 1 أكتوبر 2025 أحداثا غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، بعد أن اضطرت عناصر الدرك الملكي بالقليعة إلى استعمال السلاح الوظيفي في إطار الدفاع الشرعي عن النفس لصد هجوم عنيف استهدف أحد مراكزها. وأسفرت المواجهات عن مقتل شخصين متأثرين بجروحهم الناتجة عن أعيرة نارية، وإصابة آخرين ممن شاركوا في هذا الاقتحام الجماعي.
تفاصيل الاقتحام: من الرشق بالحجارة إلى محاولة الاستيلاء على الأسلحة
بدأت المواجهة عندما عمدت مجموعات من الأشخاص إلى رشق مقر الدرك الملكي بالحجارة ومحاولة اقتحامه، وهو ما دفع العناصر الأمنية إلى استخدام القنابل المسيلة للدموع لاحتواء الوضع. غير أن الأمور سرعان ما خرجت عن السيطرة، بعد أن عاود المهاجمون، وقد عزّزوا صفوفهم بمجموعات أكبر من مثيري الشغب، الهجوم على المركز وهم مدججون بأسلحة بيضاء.
وقد تمكنوا من اقتحام المبنى، والاستيلاء على سيارة وأربع دراجات نارية تابعة للمصالح الأمنية، قبل أن يضرموا النار في السيارة وجزء من بناية المركز، والشروع في محاولة الاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة الوظيفية لرجال الدرك. أمام هذا الخطر الداهم، لم تجد عناصر الدرك خيارا سوى استخدام السلاح الناري لصد الهجوم.
فتح بحث قضائي ومسؤولية القانون
النيابة العامة المختصة أمرت بفتح تحقيق قضائي عاجل للكشف عن جميع ملابسات هذه الأحداث وتحديد هويات المتورطين فيها، مع ترتيب الآثار القانونية التي تستوجبها خطورة الوقائع. التحقيق، بحسب مصادر قضائية، سيشمل ليس فقط المنفذين المباشرين، بل أيضا كل من يقف وراء التحريض أو التنظيم أو التسهيل.
تحليل: ما وراء “الثلاثاء الأسود” لإنزكان
هذه الأحداث لا يمكن قراءتها فقط في بعدها الجنائي، وإن كان خطيرا إلى أبعد الحدود. فالهجوم على مركز للدرك الملكي يمثل تحديا مباشرا لهيبة الدولة ومؤسساتها الأمنية، ويطرح سؤالا مقلقا: هل ما وقع مجرد انفلات إجرامي معزول، أم أنه تعبير عن انفجار اجتماعي خرج عن السيطرة؟
الاحتجاجات الشبابية الأخيرة في عدد من المدن المغربية حملت مطالب مشروعة في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل. غير أن ما وقع في إنزكان يختلف جذريا، إذ تجاوز سقف المطالب ليصل إلى محاولة الاستيلاء على أسلحة الدولة، وهو أمر يدخل في صميم التهديد للأمن الوطني.
بين الشرعية الاجتماعية ومنطق الدولة
يبقى التمييز ضروريا بين الاحتجاج السلمي المشروع وبين الانزلاق إلى العنف. فالأول يعكس دينامية مجتمعية تحتاج إلى احتواء سياسي وإصلاحي، أما الثاني فيمثل خطرا لا يهدد فقط الممتلكات العامة والخاصة، بل أيضا أمن الدولة واستقرارها.
الحكومة أمام مسؤولية الانفجار الاجتماعي
من جهته يرى الصحفي بوشعيب البازي أن ما حدث في إنزكان لا يمكن عزله عن التراكمات الاجتماعية التي فشلت الحكومة في معالجتها. الصحة والتعليم والتشغيل ليست مجرد ملفات قطاعية، بل هي أساس العقد الاجتماعي الذي يربط المواطن بالدولة.
لقد تركت الحكومة الأوضاع تتفاقم حتى فقد الشباب الثقة في أي وعود أو إصلاحات مؤجلة. صحيح أن ما جرى في إنزكان انزلاق خطير ومرفوض بكل المقاييس، لكن المسؤولية السياسية تبقى قائمة: حين يُترك الشباب في مواجهة البطالة والتهميش وضعف الخدمات، فإن ذلك يخلق فراغا تملؤه فوضى غير محسوبة العواقب.
إن الدولة تحتاج اليوم إلى أكثر من القبضة الأمنية ، تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ورؤية إصلاحية عاجلة تعيد الثقة، وتضع حدا للهوة المتسعة بين المجتمع ومؤسساته. وإلا، فإن أحداث إنزكان قد لا تكون سوى بداية لانفجارات اجتماعية أكبر.