الفوضى في الشارع المغربي: فشل الحكومة بين عجز التدبير وواقع المطالب الشعبية
بوشعيب البازي
الرباط – اندلاع موجة من المظاهرات والاحتجاجات في عدد من المدن المغربية لم يكن حدثاً عابراً أو مفاجئاً بقدر ما كان نتيجة تراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية أثقلت كاهل المواطن. الشارع المغربي، الذي خرج بشكل متكرر خلال الأسابيع الأخيرة، رفع مطالب ملحّة تتعلق بالقدرة الشرائية، التعليم، الصحة وفرص العمل، لكنه واجه في المقابل حكومة مرتبكة، بدت عاجزة عن تقديم إجابات عملية.
في قلب هذه الأزمة، يطفو اسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي بات في نظر شرائح واسعة من المغاربة رمزاً لفشل السياسات العمومية. منذ توليه رئاسة الحكومة، تراكمت الانتقادات حول غياب رؤية واضحة لمعالجة الأزمات الاجتماعية، واعتماد خطاب سياسي يفتقر إلى القرب من المواطن. النتيجة ، فجوة متزايدة بين السلطة التنفيذية والشارع، تجلت في خروج مظاهرات سلمية قادها الشباب، لم تجد من يفتح معها جسور الحوار.
الأمن يختار الحياد
اللافت في هذه الموجة الاحتجاجية هو الموقف الأمني. بخلاف ما جرت عليه العادة في احتجاجات سابقة، لم تتبن السلطات الأمنية مقاربة قمعية أو استباقية، بل اختارت الحياد وسمحت بتنظيم مظاهرات سلمية حتى دون الحصول على التراخيص القانونية المعتادة. هذا الموقف، الذي فُسّر بكونه محاولة لتفادي أي تصعيد قد يضر بصورة المغرب داخلياً وخارجياً، وضع الحكومة في موقف حرج، بعدما وجدت نفسها أمام احتجاجات مشروعة وعلنية لا يمكن إسكاتها بالقوة.
الحكومة أمام مأزق مزدوج
إقرار الحكومة بمشروعية المطالب الشعبية يضعها أمام معادلة صعبة: الاستجابة الفورية تبدو شبه مستحيلة في ظل محدودية الموارد الاقتصادية وتعقيدات الإصلاحات البنيوية، بينما تجاهل هذه المطالب يزيد من تأجيج الشارع ويفاقم منسوب الاحتقان الاجتماعي. هنا، يبرز السؤال الجوهري ، هل تملك الحكومة الحالية القدرة السياسية والعملية على تجاوز الأزمة، أم أن الفشل أصبح واقعاً ملموساً لا يمكن إنكاره؟
ربط المسؤولية بالمحاسبة
مع تعاظم حدة الاحتجاجات وارتفاع الأصوات المطالبة برحيل الحكومة، تبرز من جديد قاعدة دستورية أساسية: ربط المسؤولية بالمحاسبة. إذا كان المغرب قد أرسى هذا المبدأ كجزء من إصلاحاته السياسية، فإن تنزيله على أرض الواقع يقتضي مساءلة الحكومة عن إخفاقاتها، وإقرار بدائل سياسية أكثر قدرة على إعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
الفوضى التي شهدتها بعض المدن المغربية ليست سوى انعكاس لانسداد سياسي واجتماعي واقتصادي، يتحمل مسؤوليته الأولى الفشل الحكومي في مواكبة تطلعات المغاربة، خصوصاً الشباب. وإذا كانت المؤسسة الأمنية قد أدركت أن قمع المظاهرات لا يخدم الصالح العام، فإن الكرة الآن في ملعب السلطة التنفيذية، التي تجد نفسها مضطرة للاختيار بين الاستمرار في نهج يفاقم الغضب الشعبي، أو الإقرار بالفشل والاستعداد لمحاسبة سياسية قد تعيد رسم المشهد الحكومي.