من “الوجوه الخالدة” إلى جيل جديد، أي مستقبل للسياسة المغربية؟

بوشعيب البازي

منذ عقود، تتردد على المشهد السياسي المغربي أسماء بعينها تكاد لا تغادر واجهة الأحداث، وكأنها أصبحت جزءاً من الديكور السياسي العام. شخصيات مثل عبد الإله بنكيران أو عزيز أخنوش، وغيرهما من الوجوه المعروفة، تحولت إلى ما يشبه “الطبقة الخالدة” في المشهد الحزبي، دون أن تتمكّن من تقديم حصيلة واضحة أو نتائج ملموسة تُوازي الثقة التي منحها لها الناخبون في محطات متكررة.

هذا الواقع يطرح اليوم سؤالاً ملحاً: هل آن الأوان لإعادة ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية المغربية عبر فتح المجال أمام الشباب لتولي زمام القيادة، وربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل صارم، بعيداً عن منطق “الزعامة الأبدية” الذي كبّل الأحزاب وأفرغ السياسة من روحها؟

وجوه استهلكها الزمن السياسي

التجارب الحكومية المتعاقبة برهنت على محدودية قدرة بعض القيادات على التجديد والإبداع. فالمغاربة لم يعودوا يكتفون بالخطابات الفضفاضة أو الوعود غير المنجزة، بل يطالبون بإصلاح ملموس ينعكس على معيشتهم اليومية، من تحسين جودة التعليم والصحة، إلى خلق فرص عمل حقيقية ومحاربة الفساد.

غير أن استمرار نفس الوجوه في صدارة المشهد يضعف الأمل في التغيير ويعمّق الفجوة بين المواطن والسياسة.

نحو جيل سياسي جديد

التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا عبر فتح المجال أمام الكفاءات الشابة، سواء داخل الأحزاب أو عبر قوانين انتخابية أكثر جرأة. إدماج الشباب ليس مجرد خيار شكلي، بل ضرورة لربط الحاضر بالمستقبل، وتجنب تكرار نفس الأخطاء والسياسات التي أثبتت محدوديتها.

ولعل وضع شروط صارمة لولوج البرلمان – مثل اشتراط الحصول على شهادة الإجازة على الأقل – من شأنه أن يرفع مستوى الكفاءة التشريعية ويعزز ثقة المواطنين في ممثليهم. فالمؤسسة التشريعية ليست مجرد مقعد سياسي، بل فضاء لإنتاج السياسات العامة ورسم مستقبل البلاد.

المسؤولية تعني المحاسبة

من أبرز التحديات التي تواجه المغرب اليوم غياب آليات قوية لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالسياسي الذي يقود وزارة أو حزباً أو حكومة يجب أن يكون مسؤولاً أمام الرأي العام والمؤسسات الرقابية، وإلا فإن مفهوم الديمقراطية يفقد جوهره.

المغاربة بحاجة إلى نموذج سياسي جديد، تكون فيه الكفاءة معيار الاختيار، والمحاسبة ركيزة العمل، والشباب فاعلين أساسيين لا مجرد جمهور يصفق لزعماء شاخت خطاباتهم.

نحو أفق جديد

التغيير ليس ترفاً سياسياً، بل شرطاً ضرورياً للمرور قدماً نحو الازدهار والتنمية الحقيقية. المغرب في أمسّ الحاجة إلى نخبة سياسية متجددة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل: التحول الرقمي، الأمن الطاقي، العدالة الاجتماعية، والسيادة الوطنية في زمن العولمة.

وفي النهاية، فإن السؤال لم يعد، هل يجب أن تتغير الوجوه السياسية؟ بل أصبح: متى وكيف سيتم هذا التغيير؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com