الكان والمونديال بين طموح المغاربة واحتكار الصفقات: أي عدالة اقتصادية في المغرب الرياضي؟

بوشعيب البازي

بينما يتأهب المغرب لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025 والمونديال 2030، ترتفع آمال ملايين المغاربة في أن تتحول هذه التظاهرات الكبرى إلى رافعة اقتصادية واجتماعية، وفرصة لإبراز صورة المغرب الجديد، المتطور والمنفتح. لكن في المقابل، تثار تساؤلات مشروعة حول من يستفيد فعلاً من هذه التظاهرات؟ هل هي جميع مكونات النسيج الاقتصادي الوطني، بما فيه المقاولات الصغرى والمتوسطة، أم أن نصيب الأسد يظل حكراً على نفس الوجوه من كبار الفاعلين الاقتصاديين؟

عقود ضخمة ووجوه مألوفة

الأخبار المتداولة مؤخراً تشير إلى منح صفقة تزويد كأس إفريقيا بالمياه المعدنية لشركة “مريم بنصالح” دون فتح المجال أمام باقي الشركات المنافسة، بما فيها المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في القطاع. بالموازاة، تروج معطيات عن استعداد شركات مرتبطة بزوجة رئيس الحكومة عزيز أخنوش للسيطرة على قطاع النقل الذكي (InDrive وCareem) قبيل انطلاق الكان والمونديال.

هذا التمركز يعيد إلى الواجهة سؤالاً حساساً: لماذا تُمنح مثل هذه العقود الكبرى لنفس “الأباطرة الاقتصاديين”، في حين يُقصى الفاعلون الجدد والشباب من فرص كان يمكن أن تخلق دينامية اقتصادية وتشغيلية واسعة؟

أين التعددية الاقتصادية؟

من الناحية المنطقية، كان من الممكن – بل من الواجب – أن تُقسم مثل هذه الصفقات على أكثر من فاعل اقتصادي، بما يتيح خلق فرص عمل جديدة، ويمنح للمقاولات الناشئة والمتوسطة فرصة للانخراط في ورش وطني استثنائي.

فلماذا لا تُطرح مثلاً صفقة النقل الذكي أمام خمس شركات مغربية متوسطة تتقاسم التسيير الإداري والتقني؟ ولماذا لا تمنح صفقات التموين والإشهار والإقامة لفئات متنوعة من المقاولات، بدل تركيزها في أيدي نفس الطبقة الاقتصادية المستفيدة منذ عقود؟

خطر تكريس “المغربين”

المغاربة لا يرفضون تنظيم الكان والمونديال، بل على العكس، يتطلعون بفخر لنجاحهما. لكن ما يثير الغضب هو شعورهم بأن هذه التنظيمات تُستغل لإعادة إنتاج نفس الخريطة الاقتصادية، حيث تستفيد “الأوليغارشية” من العقود الضخمة، فيما يظل المواطن العادي مجرد مستهلك مطلوب منه شراء التذاكر والمنتجات ورفع الشعارات.

بهذا المعنى، يتحول المشروع الوطني الجامع إلى رمز لتكريس “مغربين”: مغرب الامتيازات والصفقات الكبرى، ومغرب المواطنين الذين لا ينالون سوى الفتات.

الحاجة إلى مجلس المنافسة

الوضع يفرض تدخلاً عاجلاً من مجلس المنافسة لضمان تكافؤ الفرص، ووضع حد لاحتكار الصفقات الكبرى من قبل نفس الدوائر الاقتصادية. كما يتطلب شفافية في الإعلان عن العروض، ومعايير واضحة تتيح للشركات الصغرى والمتوسطة المنافسة على أساس الجودة والابتكار لا على أساس القرابة والمصالح.

نحو رياضة مواطنة واقتصاد عادل

تنظيم الكان والمونديال فرصة تاريخية للمغرب، لكن نجاحها لن يقاس فقط بعدد الملاعب المبنية أو الصور الترويجية اللامعة، بل بمدى قدرة هذه الأحداث على خلق ثروة موزعة بعدالة، وإدماج كل الطاقات المغربية في الورش الجماعي. فالرهان الحقيقي ليس فقط على الكرة، بل على بناء ثقة جديدة بين الدولة والمواطن، أساسها الشفافية، المساواة، والعدالة الاقتصادية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com