تتصدر المقاولات الصغرى واجهة النقاش الاقتصادي بالمغرب، ليس فقط لأنها تمثل العمود الفقري للنسيج الإنتاجي بنسبة تفوق 99% وتشغّل ثلاثة أرباع اليد العاملة، بل لأنها اليوم في قلب معادلة التنمية التي يبحث عنها المغرب في أفق 2030. ومع ذلك، تكشف الأرقام أن هذا النسيج يعيش على وقع أزمة خانقة، بعدما بلغ عدد حالات الإفلاس 33 ألف مقاولة سنة 2024، مع توقعات بتجاوز 40 ألفا خلال العام المقبل.
هذا التشخيص المقلق شكّل محور مائدة مستديرة احتضنتها الرباط يوم الجمعة 3 أكتوبر، نظمتها الشبكة المغربية لهيئات المقاولات الصغرى بشراكة مع الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى، حيث التقى خبراء اقتصاديون ورجال أعمال لتدارس سبل إنقاذ هذا النسيج وإعادة الاعتبار لدوره في خلق الثروة وفرص الشغل.
مطلب التمثيلية والإنصاف
رشيد الورديغي، رئيس الشبكة، لم يُخفِ امتعاضه من تهميش المقاولات الصغرى داخل دوائر القرار. فقد دعا إلى مراجعة القانون الانتخابي للغرف المهنية، بما يضمن حضور هذه المقاولات في المؤسسات التمثيلية، خصوصا داخل مجلس المستشارين. كما شدّد على أن الوقت قد حان لمنحها تمويلا تفضيليا، وحصة مضمونة في الصفقات العمومية، فضلا عن إشراكها في البعثات الاقتصادية الرسمية التي تفتح أبواب الأسواق الدولية.
خبراء: النموذج الحالي استنفد أغراضه
الإجماع كان واضحا بين الخبراء: النموذج الاقتصادي الحالي لم يعد قادرا على مواكبة متغيرات السوق. الحل، بحسبهم، يكمن في الانتقال إلى نموذج جديد يرتكز على دينامية الاستثمار الخاص وتعزيز القدرات التدبيرية للمقاولات، بدل الاكتفاء بالاعتماد على الإنفاق العمومي.
وفي هذا السياق، برزت دعوة قوية إلى إحداث وكالة وطنية للمشتريات، كآلية لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الطلبيات العمومية، وهو ملف ظل مثار جدل لسنوات طويلة بالنظر إلى صعوبة استفادة المقاولات الصغرى من هذه الصفقات.
ما بين الأزمة والرهان الاستراتيجي
بالنظر إلى الأرقام، تبدو الطريق محفوفة بالمخاطر: آلاف المقاولات تغلق أبوابها سنويا، مما يفاقم البطالة والهشاشة الاجتماعية. غير أن الوجه الآخر للعملة يحمل فرصا هائلة ، إذا ما جرى تأهيل هذا النسيج وتمكينه من التمويل والأسواق، فإنه قادر على التحول إلى قاطرة حقيقية للتنمية، وإلى شريك أساسي في تنزيل التوجيهات الملكية المتعلقة بتقوية الاستثمار الخاص وخلق الثروة الوطنية.
ما خرج به اللقاء في الرباط ليس مجرد توصيات تقنية، بل خارطة طريق أولية تؤكد أن دعم المقاولات الصغرى لم يعد ترفا سياسيا أو اقتصاديا، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على التوازن الاجتماعي وضمان استدامة النموذج التنموي المغربي.
فالخيار واضح ، إما تعزيز هذا النسيج المقاولاتي ليصبح رافعة للثروة والشغل، أو تركه ينهار بما يحمله ذلك من كلفة اجتماعية واقتصادية باهظة.