المينورسو بين الواقع الجديد ومتطلبات المرحلة: دعوة لإعادة توجيه المهام نحو تسوية سياسية مستدامة في الصحراء المغربية
بوشعيب البازي
تشهد قضية الصحراء المغربية تحولات متسارعة على المستويين الإقليمي والدولي، تعززت خلال السنوات الأخيرة بدينامية دبلوماسية قوية قادها المغرب، تُوّجت بدعم واسع لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الخيار الواقعي الوحيد لتسوية النزاع. في ضوء هذه المستجدات، تبرز الحاجة إلى مراجعة جادة لمهام بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، التي باتت وظيفتها التقليدية أقل ملاءمة للواقع الجديد، وأقرب إلى ترسيخ حالة الجمود بدل الدفع نحو حل سياسي فعّال.
من استفتاء متعثر إلى مراقبة وقف إطلاق النار
أُنشئت بعثة المينورسو عام 1991 لتنظيم استفتاء حول تقرير المصير، غير أن الإشكالات المرتبطة بتحديد قوائم الناخبين أفشلت هذا المسار منذ بدايته، مما دفع البعثة للتركيز على مهمة مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو. ورغم الدور الذي لعبته في تثبيت الهدنة، إلا أن غياب أفق سياسي فعلي جعل من وجودها الدائم رمزاً للجمود أكثر من كونه حافزاً للحل.
وفي المقابل، استطاع المغرب في العقدين الأخيرين، وخصوصاً بعد طرح مبادرة الحكم الذاتي عام 2007، بلورة رؤية متكاملة تنسجم مع قرارات مجلس الأمن وتطلعات المجتمع الدولي نحو حل سلمي وواقعي، وهو ما انعكس في تأييد صريح وقوي من قوى دولية وازنة، أبرزها الولايات المتحدة، فرنسا، والمملكة المتحدة.
التحولات الدولية تقلل من جدوى المهمة التقليدية
مع اقتراب موعد تصويت مجلس الأمن في 31 أكتوبر على تجديد ولاية المينورسو، يبدو أن السياق الجيوسياسي الحالي بات مهيئاً لإعادة تقييم طبيعة المهمة الأممية، إما بإعادة هيكلتها أو تقليص دورها الرقابي لصالح الانخراط في مسار سياسي جديد قائم على مبدأ الحكم الذاتي.
ويأتي هذا الطرح في وقت تواجه فيه الأمم المتحدة ضغوطاً مالية متزايدة، دفعتها إلى إعادة النظر في العديد من بعثات حفظ السلام حول العالم. وبالنظر إلى محدودية الموارد، فإن توجيه الجهود نحو تسوية دائمة ومؤسساتية يبدو خياراً أكثر نجاعة من الإبقاء على بعثة محدودة التأثير.
دبلوماسية مغربية فعالة تعزز التحول
نجح المغرب في تعزيز موقعه دولياً من خلال خطاب دبلوماسي متماسك، يجمع بين المرجعية القانونية والمقاربة الواقعية، ما جعله يحصد دعماً متزايداً لمبادرته. كما استطاع تأمين اعتراف صريح بسيادته على الصحراء من قبل قوى دولية كبرى، ترافق مع افتتاح العديد من القنصليات في مدن الجنوب المغربي، ما يعكس تحولاً نوعياً في المواقف الدولية.
وفي المقابل، تبدو الجزائر، الراعية لجبهة البوليساريو، مطالبة اليوم بمراجعة مواقفها في ضوء التحولات الجارية، بعدما فقدت المبادرة على الصعيد الدبلوماسي، وأصبح خطاب الانفصال أقل جاذبية لدى الفاعلين الدوليين الذين يضعون الاستقرار الإقليمي في مقدمة أولوياتهم.
الحكم الذاتي كحل واقعي: فرصة لتسوية دائمة ومستقرة
أضحت مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وفق قرارات الأمم المتحدة وتقارير الأمناء العامين المتعاقبين، الإطار الأكثر جدية وواقعية وقابلية للتنفيذ. فهي توازن بين مطلب تقرير المصير ومبدأ السيادة، وتمنح سكان الأقاليم الجنوبية صلاحيات واسعة في إطار دولة موحدة، ما يسمح بإطلاق مسار سياسي حقيقي يتجاوز منطق الصراع إلى أفق بناء واستقرار.
ولا تقتصر مكاسب هذا الخيار على المغرب فحسب، بل تمتد لتشمل الاستقرار الإقليمي برمّته. فاستمرار النزاع يوفر بيئة خصبة لتهريب الأسلحة والمخدرات، وتغلغل الجماعات المسلحة، ويفاقم تحديات الهجرة غير النظامية التي تؤثر على شمال إفريقيا وأوروبا على حد سواء.
نحو بعثة سياسية داعمة للحل
لا تعني الدعوة لإعادة النظر في مهام المينورسو إنهاءً تاماً لدورها، بل إعادة توجيهها لتكون أداة دعم للمسار السياسي بدل الاقتصار على مراقبة الوضع الميداني. ويمكن للبعثة، أو فريق دولي بديل، أن يضطلع بمهام جديدة تتعلق بمواكبة تنفيذ الحكم الذاتي، وضمان احترام حقوق الإنسان، وتعزيز قنوات التواصل بين مختلف الأطراف.
كما أن الخروج المنظم للمينورسو أو تعديل مهامها يتطلب انخراط القوى الكبرى الداعمة للحل المغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لضمان عدم حدوث أي فراغ أمني، والحفاظ على التوازن القائم، والدفع نحو حل مستدام.
فرصة تاريخية لتكريس الاستقرار
إن التطورات الدبلوماسية الأخيرة تُشكل لحظة حاسمة في مسار النزاع حول الصحراء المغربية، وتُبرز قدرة الرباط على إدارة الملف بثقة وفعالية. وفي هذا السياق، تبدو إعادة النظر في مهام المينورسو ضرورة استراتيجية، ليس فقط لتقليص التكاليف وتحقيق النجاعة، بل أيضاً لخلق واقع جديد يستند إلى الشرعية الدولية ويُكرس الحكم الذاتي كحل نهائي ومستدام.
إنهاء حالة الجمود والدفع نحو تسوية قائمة على الحكم الذاتي المغربي لا يخدم فقط مصالح المغرب، بل يخدم الأمن الإقليمي، ويُساهم في استقرار شمال إفريقيا، ويمنح المجتمع الدولي نموذجاً ناجحاً لتسوية النزاعات الطويلة الأمد بطرق سلمية وعملية.