محاكمات “جيل الغضب”.. بين الحق في الاحتجاج وحدود الفوضى

نادية الواجب

تشهد محاكم مكناس وتازة وكرسيف، اليوم الاثنين، أولى جلسات محاكمة أربعة وثلاثين متهماً من الراشدين، يشتبه في تورطهم في أعمال شغب وتخريب طالت منشآت عمومية وخاصة، وألحقت خسائر مادية جسيمة بعدد من المدن، في أعقاب احتجاجات سلمية تحولت في بعض المناطق إلى مواجهات مع قوات الأمن.

القضية، التي باتت تُعرف إعلامياً بـ”أحداث جيل Z”، تفتح من جديد النقاش حول حدود التعبير السلمي ومسؤولية الدولة والمجتمع في تأطير الغضب الشبابي، في وقت تتنامى فيه الأصوات المطالبة بمقاربة اجتماعية وتربوية موازية للمقاربة الأمنية.

من احتجاجات سلمية إلى أعمال تخريب

انطلقت شرارة الأحداث، وفق مصادر ميدانية، عقب مظاهرات شارك فيها عدد من الشباب للتعبير عن مطالب اجتماعية واقتصادية. غير أن بعض التجمعات خرجت عن الطابع السلمي لتتحول إلى أعمال عنف وتخريب استهدفت حافلات النقل العمومي، سيارات خاصة، ومرافق تجارية، ما استدعى تدخلاً أمنياً أعقبه توقيف العشرات وفتح تحقيقات تحت إشراف النيابات العامة المختصة.

وقد أحيل الموقوفون يوم الجمعة الماضي على النيابات العامة بكل من مكناس وتازة وكرسيف، التي قررت متابعة الجميع في حالة اعتقال، وتحديد اليوم الاثنين لانطلاق أولى الجلسات.

تهم تتراوح بين العصيان والتخريب

بمحكمة تازة، يمثل ثمانية متهمين أمام العدالة بتهم تتعلق بـ«إهانة موظفين عموميين أثناء أداء مهامهم، وممارسة العنف ضدهم، وتعييب ممتلكات مخصصة للمنفعة العامة، والمشاركة في مظاهرة غير مصرح بها، والعصيان». كما أضيفت لثلاثة منهم تهمٌ تتعلق بـ«إلحاق خسائر بملك الغير».

وفي مكناس، يواجه سبعة متهمين تهمًا ثقيلة، من بينها «المشاركة في تجمع مسلح، والعنف في حق القوات العمومية، وحيازة أسلحة بيضاء في ظروف تهدد سلامة الأشخاص والممتلكات، وتعييب منشآت عمومية، والعصيان باستعمال العنف ضد السلطة العامة». كما شملت التهم أيضًا «السكر العلني البين وإحداث الضوضاء بالشارع العام» بالنسبة لأحد الموقوفين.

أما في كرسيف، حيث تُتابع المجموعة الأكبر (19 شخصاً)، فقد وجهت إليهم النيابة العامة تهمًا تشمل «التحريض على ارتكاب جنح وجنايات، والعصيان الجماعي، والمشاركة في تنظيم مظاهرة غير مصرح بها مع حمل أدوات خطيرة، والامتناع عن مغادرة مكان التظاهر رغم الأوامر الأمنية».

القاصرون بين الإصلاح والمراقبة

إلى جانب الراشدين، يمثل أمام قضاة الأحداث بكل من تازة وكرسيف عدد من القاصرين الذين تم توقيفهم على خلفية الأحداث ذاتها. وقد قررت النيابة العامة تسليم أغلبهم إلى أولياء أمورهم مع إخضاعهم للمراقبة القضائية، فيما تم إيداع خمسة منهم بمؤسسة الإصلاح بمدينة فاس.

هذه المعالجة المزدوجة – بين العقاب والإصلاح – تطرح تساؤلات عميقة حول دور المدرسة والأسرة والإعلام في احتواء غضب الجيل الجديد، الذي يبدو أكثر استعداداً للتعبير عن احتجاجه في الشارع، لكن أقل إلماماً بحدود القانون والمسؤولية المدنية.

جيل Z.. الغضب الرقمي في الشارع الواقعي

يرى محللون أن ما جرى في مكناس وتازة وكرسيف ليس مجرد “أحداث معزولة”، بل هو تعبير عن تحول اجتماعي في أنماط التعبير لدى الشباب المغربي، خاصة جيل المنصات الرقمية الذي يعيش احتقاناته في الفضاء الافتراضي قبل أن ينقلها إلى الشارع.

ويشير هؤلاء إلى أن الدولة مطالَبة اليوم بتطوير قنوات التواصل مع هذه الفئة، ليس فقط أمنياً أو قضائياً، بل عبر مبادرات تربوية وثقافية تعيد الثقة بين الشباب والمؤسسات.

بين الردع والاستيعاب

وبينما تمضي المحاكم في مسارها القضائي، يبقى السؤال المطروح: هل ستكفي الأحكام المنتظرة لردع الممارسات التخريبية، أم أن جذور المشكلة أعمق من أن تُعالج في قاعة محكمة؟

ما يجري اليوم يعيد التذكير بأن الاحتجاج السلمي حقّ دستوري، لكنه لا ينفصل عن واجب احترام القانون والممتلكات العامة والخاصة. فبين الحق في الغضب وواجب المسؤولية، تقف الدولة والمجتمع أمام تحدٍ حقيقي: كيف نمنح جيل الغد صوتاً دون أن نسمح للفوضى بأن تبتلع هذا الصوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com