“فقيه التيك توك”… حين يتحوّل القرآن إلى أداة للفرجة والابتزاز العاطفي

في زمن المنصات المفتوحة، لم يعد الغريب أن نرى فقيها يقرأ القرآن أمام الكاميرا، لكن الغريب حقاً أن يتحوّل “حفظ القرآن” إلى وسيلة للرزق السريع، وأن يتحوّل “الفقيه” إلى مؤثر يغازل جمهوره بعبارات ملغومة ومقاطع مثيرة للجدل، كما يفعل “الفقيه الصلكوط”، الذي أصبح في ظرف وجيز ظاهرة رقمية تختصر تناقضات زمن التواصل الاجتماعي.

من الحفظ إلى “الاسترزاق”: حين يصبح الدين محتوى ترفيهياً

يقدم “الفقيه الصلكوط” نفسه بوصفه حافظاً لكتاب الله، يطلّ على متابعيه عبر بثوث مباشرة على “تيك توك”، مردداً آيات وأحاديث، ثم ينتقل بخفة من الوعظ إلى المزاح الثقيل.

في لحظة، يقرأ القرآن، وفي اللحظة التالية يوجّه أسئلة “محرجة” للفتيات من قبيل: “واش مزال عازبة؟ قضى الله الغرض؟”، ثم يضيف بنبرة يعرفها كل مغربي: “غير من الفوق”.

عبارات تحمل إيحاءات لا تخفى على أحد، وتحوّل الفقيه من حامل رسالة إلى ممثل دور هزلي على حساب القيم التي يدّعي الدفاع عنها.

فقه الاستهلاك: حين يختلط الدين بالفرجة

ما يفعله هذا الفقيه ليس مجرد انزلاق شخصي، بل هو تعبير صارخ عن ثقافة استهلاكية جديدة للدين.

في عالم “التيك توك”، لا مكان للوقار أو للصمت التأملي. المطلوب هو الجذب، والمشاهدات، والتفاعل اللحظي.

ولأن “اللايف” لا يطعم إلا من الفضائح الصغيرة، وجد هذا “الفقيه المؤثر” نفسه مضطراً إلى زيادة جرعة الجرأة كل يوم ليحافظ على جمهوره.

من فقيه إلى “كوميدي ديني”، ومن واعظ إلى “مُسلٍّ بعمامة”، هو الانزلاق الطبيعي حين يصبح الربح الرقمي أهم من الرسالة الروحية.

لغة السوق في لسان الفقيه

في الثقافة الشعبية المغربية، هناك كلمات لا تُقال في حضرة العلم أو الدين، لأنها محمّلة بمعانٍ يعرفها الجميع.

لكن “الفقيه الصلكوط” كسر هذا الحاجز الرمزي، وأدخل لغة السوق إلى بثه الديني، متناسياً أن الكلمة في فم من يرتدي لباس الفقيه تزن بقدر ما تمثل من مرجعية أخلاقية.

حين يقول “قضى الله الغرض” أو “غير من الفوق”، لا يضحك الجمهور فقط، بل يُصاب الوجدان الجمعي بارتباك: هل نحن أمام واعظ أم أمام مهرّج؟ هل يحق لمن يحمل القرآن أن يستخدمه كديكور لمسرحية رقمية؟

دنس المقدّس في زمن “اللايك”

الظاهرة في عمقها ليست دينية بقدر ما هي اجتماعية وثقافية. لقد صار “الفقه” مهنة مربحة على الإنترنت، والدين مادة للتسويق مثل أي منتج آخر. بينما يُفترض أن يكون حامل القرآن نموذجاً في السلوك، نجده في هذه الحالة يُدنّس ما حفظه بلسانٍ يتاجر في الغموض والإيحاء، فيتحول النص القرآني من طاقة روحية إلى خلفية صوتية للابتزاز العاطفي.

ما وراء الفقيه: أزمة مرجعية وأزمة ثقة

“الفقيه الصلكوط” ليس سوى مرآة لفراغٍ أكبر يعيشه المجتمع الرقمي المغربي. حين يغيب الوعي الديني الرصين، وحين تُترك الساحة للمؤثرين دون رقيب أو تربية فكرية، يظهر هذا النمط من “الشخصيات الرمادية” التي تخلط الجد بالهزل، والدين بالتسلية، والحياء بالفضول.

إنها أزمة مرجعية قبل أن تكون أزمة أخلاق. حين يصبح “المحتوى الديني” مجرد وسيلة لجمع المتابعين، يفقد القرآن مكانته ككلمة هادية، ويصبح مجرد “خلفية صوتية لبث مباشر”.

حين يصبح المقدس مادة للترند

في النهاية، لا يتعلق الأمر بفقيه واحد بقدر ما يعكس تحولاً عميقاً في علاقة الجيل الجديد بالدين والمعرفة والهوية. بين “اللايف” و”اللايك”، تذوب الحدود بين القدسي والمبتذل، ويصبح السؤال:

من يحمي روح الدين في زمن السوق الرقمية؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com