الرياض والرباط… تحالف الأخوّة يتجدد برؤية استراتيجية لمستقبل عربي مشترك

بوشعيب البازي

في مشهد يعكس عمق العلاقات التاريخية بين المملكتين، استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، الاثنين، بالقصر الملكي في الدار البيضاء، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السعودي، الذي نقل رسالة شفوية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

الرسالة، التي حملت عبارات التقدير والأخوة، جاءت لتؤكد على متانة العلاقات السياسية والحضارية التي تربط الرباط بالرياض، وعلى استمرار سنة التشاور والتنسيق بين القيادتين في ظل تحولات إقليمية متسارعة.

زيارة برمزية سياسية واقتصادية

اللقاء، بحسب مصادر مطلعة، لم يكن مجرد مناسبة بروتوكولية، بل حمل دلالات سياسية واضحة، خصوصًا في ظل السياق الإقليمي الراهن الذي يشهد تزايد التحديات الأمنية والاقتصادية في المنطقة.

وقد رافق الأمير تركي وفد سعودي رفيع المستوى، عقد سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين المغاربة، تناولت سبل تعزيز التعاون في قطاعات الصناعة، والاستثمار، والتجارة.

وفي هذا الإطار، التقى وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور بنظيره السعودي خالد الفالح، حيث جرى التأكيد على إعطاء دفعة جديدة للشراكة الاقتصادية بين البلدين.

وأشاد مزور بالمملكة العربية السعودية بوصفها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب عربيًا وأحد أبرز المستثمرين في القطاعات الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد توسيع الصادرات المغربية نحو السوق السعودية وخلق فرص عمل جديدة للشباب.

اتفاق تاريخي لتعزيز الاستثمارات

الزيارة تُوجت بتوقيع اتفاقية تاريخية لتعزيز وحماية الاستثمارات المتبادلة، تهدف إلى خلق بيئة قانونية واقتصادية أكثر استقرارًا للمستثمرين في البلدين.

وأكد الوزير خالد الفالح أن الاتفاق يعكس “الإرادة المشتركة لتعميق التعاون الاقتصادي ودعم المشاريع المشتركة في قطاعات السيارات، التعدين، والفوسفات”، مشيرًا إلى أن “الرياض والرباط تسيران في اتجاه شراكة اقتصادية متقدمة تؤسس لنموذج عربي ناجح في التكامل والاستثمار المشترك”.

شراكة سياسية وأمنية راسخة

العلاقات بين المملكتين لم تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تتجاوز ذلك إلى تنسيق سياسي وأمني متين، يُترجم في المواقف المشتركة من القضايا الإقليمية والدولية، وفي التعاون الوثيق في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

ويرى مراقبون أن زيارة الأمير تركي إلى الرباط تحمل أيضًا رسالة تضامن سياسي مع المغرب، في وقت تحاول بعض القوى المؤدلجة والمصالح الخارجية التشويش على استقراره الداخلي عبر حملات أو تحركات مشبوهة.

دعم متبادل في وجه التحديات

تؤكد مصادر دبلوماسية أن الرياض عبّرت خلال الزيارة عن استعدادها لدعم جهود التنمية في المغرب، والمساهمة في تمويل مشاريع تنموية موجهة للشباب، في إشارة إلى تجديد الثقة السعودية في الاستقرار المغربي وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

هذا الموقف، بحسب محللين، يعكس وعيًا سعوديًا بأهمية الدور المغربي في حفظ توازنات المنطقة المغاربية والإفريقية، وإدراكًا بأن استقرار الرباط يمثل ركيزة أساسية لأمن العالم العربي.

من مكة إلى الدار البيضاء… مسار تعاون متجدد

وكان البلدان قد وقّعا في مارس الماضي بمكة المكرمة اتفاقية تعاون جمركي ومذكرة تفاهم في مجال البيئة والتنمية المستدامة خلال الدورة الـ14 للجنة السعودية المغربية المشتركة، وهي محطة أكدت وقتها حرص الجانبين على “الدفع بالعلاقات إلى آفاق أرحب”، بحسب بيان وزارة الخارجية السعودية.

شراكة بأرقام ومشاريع

تعد السعودية أكبر شريك تجاري للمغرب في العالم العربي، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما سنة 2023 نحو 6.03 مليار ريال سعودي.

وتعمل في المغرب حوالي 250 شركة سعودية، بينما تنشط في السعودية نحو 20 شركة مغربية، في حين يقدّر عدد المغاربة العاملين في المملكة بحوالي 22 ألف شخص، ما يعكس تداخلاً اقتصادياً وإنسانياً متنامياً بين الشعبين.

وتتنوع الصادرات المغربية إلى السعودية بين المنتجات الكيماوية غير العضوية، السيارات وقطع الغيار، الفواكه والألبسة، فيما تستورد المغرب من المملكة المنتجات المعدنية والمواد الدابغة والأسمنت والورق.

رؤية مشتركة لمستقبل عربي مستقر

الزيارة الأخيرة، بما حملته من مضامين سياسية واقتصادية، تؤكد أن العلاقات السعودية المغربية تسير نحو مأسسة التعاون الاستراتيجي، في أفق يربط بين الأمن والاستثمار، وبين التنمية والاستقرار.

وبينما تواجه المنطقة العربية تحديات معقدة، يبرز التحالف بين الرياض والرباط كنموذج للدبلوماسية الهادئة والفاعلة التي تمزج بين الواقعية السياسية والالتزام بالمصالح العليا للأمة العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com