جيل Z يسأل: فين الصحة في بلاد الصحة؟

بوشعيب البازي

من القنيطرة، عاصمة “الواقعية المغربية” حيث كل شيء ممكن، أُلقي القبض على سيدة تمتهن “السمسرة” داخل مستعجلات مستشفى الزموري. كانت تبيع الأمل على شكل سرير، والمواعيد على شكل صدفة، والدواء على شكل رقم هاتف.

سيدة بسيطة، لكنها – دون أن تدري – جسّدت حالة قطاع صحي يشتغل بمنطق السوق السوداء: مَن يملك وساطةً يُشفى، ومَن لا يملك ينتظر في قاعة مكتظة بألم الآخرين.

الشرطة قامت بعملها، والمستشفى أصدر بيانه، والمدير – البروفيسور الحفياني – ذكّرنا أن القانون فوق الجميع. لكن، من قال إن السمسرة تبدأ وتنتهي عند الباب؟ أليست السمسرة هي النظام غير المعلن الذي يحكم بعض المستشفيات، من ورقة الطبيب إلى “التحليل المستعجل” الذي يتأخر أسبوعاً؟

وفي الوقت نفسه، جيل Z المغربي، الذي تربّى على مفاهيم “الشفافية” و”الحق في الخدمة العمومية”، يخرج في تيك توك ليقول.

“بغينا الصحة، وبغينا التعليم… وبلا سماسرة!”

جيل تربّى على الإنترنت، لا يفهم لماذا يحتاج المغربي إلى وساطة كي يرى الطبيب أو كي يدخل المدرسة الجيدة. بالنسبة له، “المرفق العمومي” ليس شعارا في الدستور، بل تطبيقًا يجب أن يشتغل 24/24، مثل “سبوتيفاي”.

حادثة الزموري ليست استثناءً، بل مرآة صغيرة تعكس منظومةً بأكملها. فالسمسرة في المستشفى هي الوجه الصحي لسمسرةٍ أخرى في التعليم، في الوظائف، بل حتى في الوعود الانتخابية. كل شيء قابل للوساطة، إلا أحلام الشباب.

جيل Z المغربي لا يطلب المعجزات، فقط يريد أن يمرض بكرامة، وأن يتعلم دون وساطة خاله في “المديرية الجهوية”. يريد أن يبرمج تطبيقًا دون أن يُبرمج له أحد “المستقبل”.

لكن ما دام المواطن يحتاج إلى سمسار ليعبر من باب المستشفى، فربما سيحتاج في الغد إلى آخر ليعبر باب المدرسة.

وفي انتظار أن يتحقق حلم “الدولة الرقمية”، تبقى القنيطرة مسرحًا آخر من مسارح الواقع المغربي، حيث تتحول السمسرة من جريمة إلى استعارة وطنية.

سمسار في المستشفى، وسماسرة في السياسة، وسماسرة في الأحلام.

ويبقى جيل Z يسأل، بذكاء ساخر ووعي رقمي .

من يوسّطنا للوطن نفسه؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com