في ظل الاستعدادات لكأس أمم إفريقيا… غلاء تذاكر “الخطوط الملكية المغربية” يثير الغضب والقلق من “احتكار السماء”

بوشعيب البازي

بينما يستعد المغرب لاحتضان واحدة من أكبر التظاهرات الرياضية في القارة، كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، يعيش المسافرون المغاربة ومعهم أفراد الجالية المقيمة بالخارج حالة من الاستياء العميق بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار تذاكر الطيران، خصوصًا لدى شركة الخطوط الملكية المغربية (RAM) التي تتهم اليوم باستغلال الظرفية لرفع الأسعار إلى مستويات “تفوق المعقول”.

ففي الوقت الذي تترقب فيه البلاد تدفق عشرات الآلاف من الزوار الأفارقة والسياح الأجانب، ومع اقتراب فصل الأعياد والعطل الشتوية، يجد المغاربة أنفسهم أمام تذاكر تتضاعف قيمتها بين ليلة وضحاها، دون مبررات اقتصادية واضحة أو تنافسية حقيقية في السوق.

احتكار الأجواء وغياب المنافسة

منذ سنوات، تُعتبر الخطوط الملكية المغربية اللاعب شبه الوحيد في السوق الداخلية والدولية المرتبطة بالمملكة، بعدما فشلت أغلب شركات الطيران الأجنبية في إيجاد مكان دائم لها داخل المجال الجوي المغربي.

ويرى خبراء النقل أن هذا الاحتكار شبه الكامل يمنح الشركة الوطنية حرية شبه مطلقة في تحديد الأسعار، خاصة في الفترات الحساسة مثل الصيف أو مواسم الهجرة العكسية للجالية المغربية في أوروبا.

ويؤكد مصدر من قطاع الطيران أن “غياب المنافسة الحقيقية يجعل المستهلك المغربي رهينة بين يدي شركة واحدة تتحكم في الأسعار كما تشاء”، مشيرًا إلى أن “المواطن البسيط الذي يرغب في السفر لزيارة عائلته في العيد أو حضور مباراة في كأس أمم إفريقيا، يجد نفسه مجبرًا على دفع مبالغ باهظة، لأن البدائل معدومة”.

تذاكر “مشتعلة” قبل الحدث القاري

مع اقتراب موعد البطولة القارية، التي من المتوقع أن تجذب مئات الآلاف من المشجعين من القارة وخارجها، شهدت المنصات الإلكترونية الخاصة بالحجوزات ارتفاعًا لافتًا في الأسعار، خاصة على الرحلات القادمة من أوروبا وغرب إفريقيا.

في بعض الحالات، تجاوزت أثمان التذاكر بين العواصم الأوروبية والدار البيضاء أو مراكش ضعف المعدل المعتاد، لتصل أحيانًا إلى 800 أو حتى 1000 يورو للتذكرة الواحدة في الدرجة الاقتصادية.

هذا الارتفاع المفاجئ أثار موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر العديد من المغاربة المقيمين بالخارج أن الشركة “تستغل حبّهم للوطن” ورغبتهم في العودة لدعمه خلال الحدث القاري، بدل أن تعتبرهم ركيزة دائمة لدبلوماسية المملكة الناعمة.

جالية غاضبة ومغاربة مستاؤون

تقول “فاطمة”، وهي مغربية مقيمة في بلجيكا:

“كنت أنوي حضور كأس إفريقيا مع أسرتي الصغيرة، لكن بعد أن تجاوزت تكلفة السفر 3000 يورو، قررنا الاكتفاء بالمشاهدة من التلفاز. أشعر أن الخطوط الملكية المغربية تعاقبنا لأننا نحب بلدنا.”

أما “عبد الله”، مهاجر مغربي في فرنسا، فيضيف بغضب:

“لا أفهم كيف يمكن لشركة وطنية أن تبالغ إلى هذا الحد في الأسعار، بينما العالم بأسره يستعد لاستقبال المغرب في حدث قاري كبير! بدل أن تسهم في إنجاح التظاهرة، فهي تُنفّر الناس من الحضور.”

الاقتصاد الوطني بين الصورة والربح السريع

من الناحية الاقتصادية، يرى محللون أن سياسة التسعير الحالية قد تُحقّق أرباحًا ظرفية للشركة الوطنية، لكنها تُسيء لصورة المغرب كوجهة منفتحة ومضيافة.

ففي وقت تراهن فيه الدولة على إنجاح تنظيم كأس أمم إفريقيا باعتباره نافذة دبلوماسية وسياحية ضخمة، يمكن لارتفاع الأسعار أن يُضعف الحضور الجماهيري ويقلّص من تأثير الحدث على الاقتصاد المحلي.

ويشير رضوان إلى أن “الخطوط الملكية المغربية مطالبة اليوم بقراءة جديدة لدورها، ليس كشركة تجارية فحسب، بل كفاعل وطني استراتيجي يساهم في ترويج صورة المملكة”.

ويضيف أن “توازن الربح والخدمة العامة ضروري في هذه المرحلة، لأن المصلحة الوطنية تقتضي تشجيع الحضور الجماهيري والسياحي، لا تعقيده”.

بين السيادة الجوية ومسؤولية الخدمة العمومية

لا يمكن إنكار أن الحفاظ على السيادة الجوية يمثل تحديًا حقيقيًا، وأن الخطوط الملكية المغربية تلعب دورًا مهمًا في تأمين الربط الجوي والسياسي للمملكة.

لكن هذا لا يبرر، وفق العديد من المراقبين، استمرار سياسة الاحتكار التي تضر بالمستهلكين وتُضعف التنافسية.

ويطالب هؤلاء بفتح الأجواء أمام شركات جديدة، أو على الأقل بتطبيق سياسة تسعير أكثر شفافية وعدلاً، تراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.

في الوقت الذي يتجه فيه المغرب نحو تنظيم كأس أمم إفريقيا بكل طموح واحترافية، يبدو أن السماء المغربية بحاجة إلى إصلاحات موازية على الأرض.

فنجاح أي تظاهرة كبرى لا يقاس فقط بحسن التنظيم أو بجودة الملاعب، بل أيضًا بمدى قدرة المواطنين والجماهير على الوصول إليها.

وما لم تُراجع “الخطوط الملكية المغربية” سياستها التسعيرية بما ينسجم مع روح الحدث القاري، فإنها تخاطر بأن تتحول من رمز وطني يرفع راية المغرب في السماء، إلى شعار احتكار يثقل كاهل المغاربة في موسم الفخر الوطني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com