وزارة الخارجية المغربية تُحسن تدبير ممتلكاتها بالخارج: خطوة ذكية في ملف القنصليات السابقة ببلجيكا

بوشعيب البازي

بعد انتظار دام أكثر من عقد من الزمن، حسمت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أخيرًا ملف المباني القنصلية المغربية السابقة في بلجيكا، التي كانت قد توقفت عن العمل منذ سنة 2011. فقد تقرر بيع هذه العقارات في كل من مدينة أنفيرس و بروكسيل، في خطوة تعكس حُسن تدبير الموارد العمومية وتوجّه الوزارة نحو تحديث بنيتها الدبلوماسية بما يتلاءم مع التحولات الجديدة في خدمة الجالية المغربية.

القرار الذي اتُّخذ بتنسيق دقيق بين الإدارة المركزية بالرباط ومصالح القنصليات العامة في بلجيكا، يعكس رؤية واضحة لوزارة الخارجية في استثمار الأصول غير المستغلة بدل تركها عرضة للتقادم أو التكاليف الإضافية المرتبطة بالصيانة والضرائب العقارية.

وتأتي هذه العملية بعد سنوات من الانتظار والتقييم الإداري والقانوني، إذ ظلت هذه الممتلكات في وضعية غير محسومة منذ غلق بعض القنصليات وإعادة توزيع الاختصاصات القنصلية في بلجيكا.

من تجميد الأصول إلى استثمارها

يُعتبر هذا القرار بمثابة انتقال من منطق التجميد إلى منطق الاستثمار. فبدل ترك العقارات القنصلية السابقة دون فائدة، قررت الوزارة تحويلها إلى مورد مالي يتيح لها تمويل اقتناء مقرات جديدة في دول أخرى تعرف تزايدًا في أعداد الجالية المغربية، أو تحتاج إلى تحسين ظروف استقبال المرتفقين.

بهذا، تتحول هذه العملية إلى نموذج في التدبير الرشيد للممتلكات العمومية بالخارج، خاصة في ظل الارتفاع المستمر لتكاليف العقار والضرائب في أوروبا.

دور القناصلة ومديرية الشؤون القنصلية

لا يمكن الحديث عن هذا الإنجاز دون التنويه بالجهود المتواصلة التي بذلها السادة القناصلة العامون المعنيون، إلى جانب مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الخارجية، التي تابعت الملف عن قرب وساهمت في تسريع وتيرة الإجراءات الإدارية والمالية المرتبطة به.

كما يجدر الإشادة بالدور المحوري الذي اضطلع به وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، الذي حرص على اعتماد مقاربة عملية وفعّالة في تدبير ممتلكات الدولة المغربية في الخارج، قائمة على مبادئ الشفافية والنجاعة والتحديث المستمر.

تفادي الأعباء وتعزيز الحضور القنصلي

من المنتظر أن تتيح العائدات المتأتية من بيع هذه المباني السابقة تمويل شراء مقرات جديدة للقنصليات المغربية في مناطق أخرى، ما سيُسهم في تحسين ظروف العمل وتقديم خدمات أكثر جودة للجالية المغربية.

كما أن هذه العملية ستُمكّن من تفادي الأعباء الضريبية التي كانت تُثقل كاهل الدولة جراء الاحتفاظ بممتلكات غير مستغلة في بلجيكا، في وقت تسعى فيه الدبلوماسية المغربية إلى ترشيد نفقاتها وتعزيز حضورها النوعي بدل الكمي.

ولكي يكتمل النجاح في بلجيكا…

غير أن هذا النجاح الإداري والمالي الذي حققته وزارة الخارجية لن يكتمل إلا بإعادة النظر في بعض التمثيليات الدبلوماسية التي لم تُواكب دينامية الإصلاح ذاتها.

فالسفارة المغربية في بلجيكا، التي يقودها السفير محمد عامر منذ سنة 2016، تعاني من حصيلة محدودة للغاية رغم طول فترة التعيين، في وقت عرفت فيه العلاقات الثنائية ملفات عديدة كان من المفترض أن تبرز فيها الدبلوماسية المغربية بشكل أقوى وأكثر حضورًا.

ومن هذا المنطلق، يأمل العديد من أفراد الجالية المغربية، ومعهم المتابعون للشأن الدبلوماسي، أن يُدرج الوزير ناصر بوريطة ملف التمثيلية المغربية في بلجيكا ضمن أولويات المراجعة، لضمان تجديد الدماء وضخ نفس جديد في الأداء الدبلوماسي، بما ينسجم مع التحول النوعي الذي تعرفه السياسة الخارجية للمملكة

خطوة في مسار التحديث الدبلوماسي

بهذا القرار، تؤكد وزارة الخارجية المغربية أن تحديث العمل الدبلوماسي لا يقتصر على تطوير الخطاب السياسي أو تحسين الخدمات القنصلية فحسب، بل يشمل أيضًا إدارة الموارد والأصول المالية والعقارية بكفاءة وشفافية.

إنها خطوة عملية تُجسّد رؤية الدولة المغربية في عقلنة تدبير ممتلكاتها، وتؤشر على مرحلة جديدة من الحكامة الرشيدة في المجال القنصلي، تعود بالنفع المباشر على المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com