المغرب 2025: أزمة المعارضة بين الاحتواء والتلاشي… من يوازن السلطة؟

بوشعيب البازي

في مغرب سنة 2025، يبدو أن المشهد السياسي يعيش على إيقاع خلل بنيوي عميق، لا يتعلق فقط بضعف الأداء الحكومي أو محدودية البرامج العمومية، بل بأزمة أكبر، غياب المعارضة السياسية بالمعنى الديمقراطي الحقيقي. ففي غياب “الند السياسي الممانع”، كما يسميه بعض المحللين، تترسخ الأحادية في التفكير والقرار، وتغيب روح التنافسية السياسية التي تشكل حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي حيوي.

معارضة غائبة… أم مغيَّبة؟

لا يمكن الحديث عن الممارسة الديمقراطية دون ثنائية الأغلبية والمعارضة، التي يفترض أن تتعاقب على تدبير الشأن العام وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. لكن الواقع المغربي يكشف أن المعارضة، في صورتها الحالية، فقدت مقوماتها الأساسية ، لم تعد تمتلك الجرأة الفكرية ولا القدرة التنظيمية لابتكار بدائل أو اقتراح حلول واقعية للمشاكل المستجدة. لقد تحوّل الفعل المعارض في كثير من الأحيان إلى خطاب منبري مناسباتي، يستعرض الأزمات دون أن ينتج الحلول.

من المعارضة إلى المسايرة

تاريخياً، شكّلت المعارضة في المغرب مدرسة سياسية لصناعة النخب وتربية الأجيال على الممارسة الديمقراطية. غير أن هذه المدرسة تعرّضت، منذ سنوات، إلى نزيف في الفكرة والممارسة. فحين تُختزل المعارضة في شعارات فضفاضة أو تُحتوى داخل هندسة السلطة، تفقد استقلاليتها وتتحول إلى جزء من الديكور السياسي الذي يزيّن المشهد أكثر مما يغيّره. إن ما نراه اليوم هو معارضة ممأسسة شكلاً، لكنها مستلبة مضموناً، تشتغل في حدود المسموح به، وتتحرك وفق خطوط مرسومة سلفاً، مما يجعلها تفقد القدرة على التعبئة أو التأثير في الرأي العام.

البراغماتية المفرطة… مرض السياسة المغربية

من أبرز مظاهر الأزمة الراهنة أن عدداً من الأحزاب المعارضة انزلقت نحو براغماتية انتهازية، تتحدد مواقفها بناءً على التوازنات الظرفية والمصالح الحزبية الضيقة، لا على المبدأ أو المشروع المجتمعي.

فكلما اقتربت هذه الأحزاب من السلطة، تذوب في خطابها، وتفقد تموقعها المعارض، وكأنّ السلطة تبتلع المعارضة بهدوء. وما يزيد الطين بلّة أن القرار الحزبي نفسه لم يعد ينبع من القواعد، بل من دوائر ضيقة تتحكم في مصير الحزب ومواقفه، مما أدى إلى تهميش الديمقراطية الداخلية، وتفريغ الفعل السياسي من محتواه التشاركي.

الاحتواء بدل التوازن

حين تُضعف المعارضة أو تُفرَّغ من مضمونها، لا ينتصر فقط منطق التسلط، بل تنهزم الدولة الديمقراطية نفسها. ذلك أن وجود معارضة قوية ليس تهديداً للنظام، بل هو صمام أمان ضد الانزلاق نحو السلطوية. فالمعارضة القادرة على النقد والمساءلة تخلق التوازن الضروري بين مؤسسات الحكم والمجتمع، وتساهم في استدامة الاستقرار السياسي. أما غيابها، سواء أكان قسرياً أو طوعياً، فيؤدي إلى هيمنة خطاب واحد، ينتج التنميط السياسي والفكري، ويُقصي كل صوت مختلف.

من خطاب الأزمة إلى خطاب الحلول

لطالما أبدعت المعارضة المغربية في تشخيص الأزمات، لكنها نادراً ما انتقلت إلى إنتاج البدائل. فالمجتمع، اليوم أكثر من أي وقت مضى، يحتاج إلى معارضة اقتراحية قادرة على صياغة سياسات عمومية بديلة، وإعادة الثقة إلى الحقل السياسي. المعارضة التي يطالب بها المغاربة ليست تلك التي تكتفي بالانتقاد من المنابر أو من مواقع التواصل، بل تلك التي تتحمل مسؤولية الفعل السياسي وتملك الشجاعة في اتخاذ الموقف.

معارضة المستقبل… لا معارضة الماضي

لكي تستعيد المعارضة المغربية مكانتها، عليها أن تعيد بناء ذاتها من الداخل:

  • عبر تجديد نخبها،
  • واسترجاع استقلاليتها،
  • وتبنيها خطاباً عقلانياً واقعياً يعبّر عن نبض الشارع،
  • وقطعها مع ثقافة التشرذم والمساومات.

المعارضة الفاعلة ليست تلك التي تعارض لأجل المعارضة، بل التي تدافع عن مصلحة الوطن من موقع المراقبة والمساءلة. إنها معارضة “تفاوض السلطة ولا تسايرها”، “تحتكم للمبدأ لا للمنفعة”، “وتنتصر للديمقراطية لا للخطاب الشعبوي”.

لا ديمقراطية بلا معارضة

في مغرب 2025، ما أحوجنا إلى معارضة سياسية واعية ومسؤولة، تعيد الحياة إلى الفضاء العمومي، وتكسر رتابة الخطاب الواحد.

إن بقاء الوضع على ما هو عليه، أي غياب الند السياسي الحقيقي، يهدد التوازن الديمقراطي ويغذي الإحباط الشعبي، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى نفس سياسي جديد يضمن استمرار الثقة بين الدولة والمجتمع.

فالديمقراطية لا تُقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرة السلطة على تقبّل النقد، وبقوة المعارضة على ممارسته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com