قضية جديدة تفتح ملف العمالة الهشة وتحديات الهجرة غير النظامية بين المغرب وإسبانيا
في عملية أمنية جديدة تُسلّط الضوء على الوجه المظلم لواقع المهاجرين المغاربة في إسبانيا، أعلن الحرس المدني الإسباني عن تفكيك شبكة إجرامية متورطة في استغلال عشرات العمال المغاربة في القطاع الزراعي بمدينة لا ريوخا شمال البلاد.
العملية، التي وُصفت بـ”الدقيقة والمعقّدة”، أسفرت عن توقيف سبعة أشخاص، بينهم امرأة، يُشتبه في تورطهم في جرائم تتعلق بالاتجار بالبشر، واستغلال القاصرين، وتشغيل العمّال في ظروف غير إنسانية.
وعود كاذبة… وواقع قاسٍ
وفقًا لتقارير صحفية إسبانية، كانت الشبكة تعتمد أسلوبًا محكمًا لاستدراج المهاجرين، من خلال تقديم وعود بتسوية وضعيتهم القانونية مقابل العمل المؤقت في الضيعات الزراعية.
لكن ما أن يصل هؤلاء إلى المنطقة حتى يجدوا أنفسهم أمام واقعٍ آخر تمامًا، عمل شاق دون عقود أو تأمين، وسكن مكتظ يفتقر إلى الشروط الإنسانية الأساسية.
بعض الضحايا تحدثوا، وفق شهادات نقلتها الصحافة المحلية، عن “ظروف أقرب إلى العبودية الحديثة”، حيث كانوا يُجبرون على العمل لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة، تحت تهديد الطرد أو التبليغ للسلطات في حال الاعتراض.
وتُقدّر السلطات الإسبانية عدد العمال الذين وقعوا ضحية هذه الشبكة بنحو 45 مهاجرًا مغربيًا، من بينهم ثلاثة قاصرين. كما تمكن عدد من العمال من الفرار قبيل مداهمة الحرس المدني لمواقع العمل، بعد أن تم التنسيق مع النيابة العامة الإسبانية المتخصصة في قضايا الاتجار بالبشر.
عملية نوعية وضبط ممتلكات
خلال عمليات التفتيش التي شملت مزارع ومساكن ومقرات شركات مرتبطة بالنشاط الإجرامي، حجزت السلطات مبالغ مالية نقدية تُقدّر بـ22 ألف يورو، إلى جانب مجوهرات بقيمة 2,500 يورو، وعدد من الوثائق والمركبات والأسلحة البيضاء.
كما تم تجميد ستة حسابات بنكية، وتعليق نشاط إحدى الشركات التي تبين أنها واجهة قانونية لعمليات الاستغلال. ووفق بيان رسمي للحرس المدني الإسباني، فإن العملية جاءت ثمرة تحقيقات مطوّلة اعتمدت على مراقبة مالية وتحركات مشبوهة، مكنت من تحديد هويات المشتبه فيهم ومواقع نشاطهم.
قضية تتجاوز الجريمة… إلى السياسة الاجتماعية
القضية لا تتعلق فقط بشبكة إجرامية، بل تكشف مجددًا عن الهشاشة القانونية والاجتماعية التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين في أوروبا، خصوصًا في القطاعات الزراعية.
ففي ظل الحاجة الاقتصادية من جهة، وصعوبة الاندماج القانوني من جهة أخرى، يجد الكثير من المهاجرين المغاربة أنفسهم عرضة للاستغلال من قبل شبكات تتاجر بضعفهم القانوني.
ويرى مراقبون أن هذه الواقعة تدق ناقوس الخطر بشأن آليات الرقابة على ظروف العمل في الضيعات الإسبانية، والتي تعتمد في كثير من الأحيان على عمال موسميين من أصول مغربية أو لاتينية، يعيشون في عزلة تامة عن المنظومة القانونية الإسبانية.
مسؤولية مشتركة بين الضفتين
من جهة أخرى، يطرح الملف تساؤلات حول مسؤولية الحكومتين المغربية والإسبانية في حماية حقوق المهاجرين والعمال الموسميين، خصوصًا أولئك الذين يقيمون في أوضاع قانونية غير مستقرة. فرغم وجود اتفاقيات ثنائية بين البلدين لتقنين اليد العاملة الموسمية، إلا أن هذه الحالة – وغيرها – تكشف أن الفجوة بين النص القانوني والتطبيق الواقعي ما تزال واسعة. ويرى محللون أن استمرار هذه الظواهر يعكس الحاجة إلى مقاربة إنسانية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين، بدل الاقتصار على المقاربة الأمنية وحدها.
تحقيق قضائي مفتوح وتوقعات باعتقالات جديدة
النيابة العامة الإسبانية أعلنت فتح تحقيق قضائي موسّع لتحديد كافة المسؤوليات الجنائية، في انتظار مثول المشتبه فيهم أمام المحكمة خلال الأيام المقبلة.
كما رجّحت مصادر قضائية أن تشمل التحقيقات أسماء أخرى يُشتبه في تورطها في إدارة غير مباشرة للشبكة عبر شركات وهمية تعمل في مجال الخدمات الزراعية.
وفي انتظار مخرجات التحقيق، تبقى هذه القضية مرآة لواقع مؤلم يعيشه مئات المهاجرين المغاربة في الحقول الإسبانية، حيث يتحول الحلم الأوروبي في كثير من الأحيان إلى كابوس يومي من العمل القسري والعيش الهامشي.