جيل “زد” يُعلن الثورة… ولشكر يستعد لولاية “أخرى”!

بوشعيب البازي

اتحاد بلا اشتراكية، وشباب بلا صوت، ومؤتمر يُطبخ على نار الطموح الشخصي

في زمن يفترض أن تتجدد فيه الأحزاب السياسية بروح شبابية، اختار إدريس لشكر – كاتب الاتحاد الاشتراكي الأبدي – أن يثبت للمغاربة أن مفهوم “الاستمرارية” لا يعني بالضرورة الاستقرار، بل أحيانًا… الإقامة الدائمة في القيادة.

لكن الرياح الحمراء التي كانت تهب من بيت الاتحاد الاشتراكي لم تعد كما كانت. فها هي مجموعة من شباب الحزب، من جيل “Z” المولود على وقع الإنترنت والاحتجاج الافتراضي، ترفع صوتها عاليًا ضد “الزعيم الذي لا يغادر”.

صوتهم جاء واضحًا: “كفى!”

من حزب النضال إلى حزب النداء

الشباب الاتحاديون اختاروا عنوانًا مؤلمًا وجميلًا في آن واحد، “من أجل اتحاد الأمل”. أمل في ماذا؟ في أن يرحل إدريس لشكر قبل أن يتحول الحزب العريق إلى جمعية عشائرية تُدار بالولاءات والمناصب الرمزية.

النداء يقول إن الرجل “فقد شرعيته السياسية”، وكأنهم يعلنون رسميًا أن الاشتراكية انتهت… وبدأ عهد الإدريسية. فالحزب الذي كان يلقّب بـ“ضمير الأمة”، أصبح اليوم – حسب تعبير الغاضبين – “رهينة شبكة مصالح ضيقة”، تدير القرار من مقرات مغلقة وتقرر مصير مناضلين لم يُستشروا منذ المؤتمر الأخير الذي لا يذكر أحد مخرجاته إلا من حيث الوليمة.

المؤتمر الوطني… النسخة الرابعة من مسلسل “البقاء في القيادة”

المؤتمر القادم، كما يصفه البيان الشبابي، لن يكون سوى مسرحية سياسية بمخرج قديم وديكور جديد. شخصياتها معروفة، ونهايتها متوقعة: تصفيق مدوٍ، تجديد للولاية الرابعة، وصورة جماعية ترفع فيها القبضات (تُقصّ منها لاحقًا وجوه غير مرغوب فيها).

أما الديمقراطية الداخلية، فتُركت في مكانها المعتاد: على رف الشعارات التاريخية التي لم تعد تُقنع حتى من يرفعها. الشباب الاتحاديون يتحدثون اليوم بجرأة غير مسبوقة عن “إقصاء الكفاءات” و“مطاردة العقول الحرة”، وكأن الحزب الذي علّم المغاربة معنى المعارضة بدأ يخاف من المعارضة الداخلية أكثر من خوفه من صناديق الاقتراع.

ثورة رقمية داخل حزب ورقي

ما يُميز هذه الحركة الشبابية ليس فقط مضمونها، بل لغتها.

جيلٌ لم يعرف عبد الرحيم بوعبيد ولا عبد الرحمن اليوسفي، لكنه يعرف جيدًا معنى “المؤسسة السياسية المفلسة”. جيل لا يحمل بطاقة عضوية فحسب، بل حسابًا على X وInstagram وTikTok، حيث باتت السياسة تُمارس بلا إذن من المكتب السياسي.

وبينما يردّ الكبار على نداء الشباب بـالعبارة الكلاسيكية “هؤلاء لا يعرفون تاريخ الحزب”، ينسى البعض أن التاريخ نفسه لا ينتظر من يتخلف عن الحاضر.

اتحاد فقد اليسار… فماذا بقي؟

اليوم، يبدو أن الاتحاد الاشتراكي يعيش أسوأ لحظاته: حزبٌ بلا معارضة حقيقية، قيادةٌ بلا مشروعية، وشبابٌ بلا أفق سياسي داخل البيت الاتحادي. من حزب كان يؤرق الحكومات بخطابه النقدي، إلى حزبٍ يثير الجدل فقط حين يتحدث كاتبه الأول عن “الترشح مجددًا”.

الأدهى أن لشكر لم يعد يرى في كل هذا الغليان الشبابي إلا مناورة صغيرة من خصومه داخل الحزب. لكن ما يغيب عن الزعيم الاتحادي أن الجيل الذي نشأ في عالم اللايك والهاشتاغ، لا يحتاج إلى إذن من “اللجنة الإدارية” كي يصنع موجة سياسية.

نهاية مرحلة… أم بداية انقراض؟

الشباب الذين وقعوا على البيان وضعوا ثلاث وصايا لإنقاذ الحزب:

  1. تأجيل المؤتمر حتى استعادة النفس الديمقراطي.
  2. تشكيل لجنة تحضيرية وطنية مستقلة.
  3. فتح حوار وطني يشمل الشباب والمثقفين والمناضلين الحقيقيين.

وصايا قد لا تُعجب من تعوّد أن يسمع التصفيق أكثر من النقد، لكنها تُعيد إلى الأذهان ما نسيه كثيرون، أن الاتحاد الاشتراكي لم يُخلق ليكون حزب أشخاص، بل حركة وعي وضمير حيّ.

فإذا كان إدريس لشكر يرى في الولاية الرابعة استمرارية للاتحاد، فإن شباب الحزب يرون فيها إصرارًا على إبقاء الحزب في غرفة الإنعاش السياسي. وما بين من يريد “الرحيل الآمن” ومن يتمسك بـ“الكرسي الآمن”، يبدو أن الاتحاد الاشتراكي يعيش لحظته الفاصلة:

إما أن يُنصت إلى جيل الأمل، أو يواصل كتابة فصول جديدة من مأساة “حزبٍ اشتراكيٍ بلا اشتراكية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com