حرب “المنصات الوطنية” على تيك توك: حين يتحول العاطلون إلى قضاة وجلدين افتراضيين
بوشعيب البازي
يبدو أن الوطنية في زمن “اللايك” و”المشاهدات” لم تعد تُقاس بعدد التضحيات ولا بالمواقف، بل بعدد المتابعين وحجم الشتائم الموجهة إلى من يختلف معك. على منصات “تيك توك”، حيث تختلط الوطنية بالبهلوانية، نشهد اليوم حرباً إلكترونية من نوع خاص، يقودها من يعدّون أنفسهم “حماة الوطن الرقمي”، وهم في الحقيقة مجرد جيوش من العاطلين والمهمشين، يقضون أكثر من 16 ساعة يومياً أمام الكاميرا في حفلات سبّ جماعي وتشهير ممنهج ضد كل من تجرأ على قول الحقيقة.
هؤلاء “الفرسان الافتراضيون” الذين لا يفرّقون بين الألف واللام، يعتقدون أن الوطنية تُمارس بالصراخ، وأن حماية الوطن تكون عبر الإهانة وتوزيع تهم الخيانة يميناً وشمالاً. بعضهم لا يملك لا معرفة ولا حكمة ولا حجة، فقط هاتف متهالك وإنترنت مدعوم من جارٍ متسامح. ومع ذلك، يقدمون أنفسهم كقضاة وجلادين في محاكم “التيك توك”، حيث يُصدر الحكم قبل أن تُنطق الجملة، ويُنفذ الإعدام الرمزي قبل أن يُفهم السياق.
وراء هذه الفوضى “الوطنية الزائفة”، هناك أموال تُصرف في الخفاء لتوجيه الرأي العام الافتراضي، وشراء صمت البعض، وتحريك آخرين ضد “المغاربة الأحرار” الذين يشتغلون بصدق على توعية المجتمع والدفاع عن صورة الوطن بالحجة والمعرفة. إنها حرب منصات أكثر منها حرب أفكار، حيث يُشترى الصوت العالي وتُقمع الكلمة الهادئة.
الطريف في المشهد أن بعض هؤلاء “المناضلين الافتراضيين” لديهم سوابق عدلية، وشكايات معلقة تتعلق بالسبّ والتهديد والتشهير وتكوين عصابات إلكترونية، ومع ذلك يتحدثون عن “القيم” و”الوطنية” كما يتحدث المتسول عن الكرامة أمام الإشارة الحمراء.
المنصات المغربية، التي كان يُفترض أن تكون فضاءً للإبداع والتواصل الإيجابي، تحولت بفعل هؤلاء إلى ساحات تصفية حسابات شخصية، ومتنفسٍ للغضب والإحباط، حيث يُستبدل النقاش بالسباب، والفكر بالضوضاء، والاختلاف بالعداوة.
أما “المغاربة الأحرار” الحقيقيون — أولئك الذين يعملون بصمت، ويؤمنون بأن الوطنية فعل يومي لا شعار عابر — فهم اليوم هدفٌ لهذه الحملات الممولة، لأنهم يزعجون بصوت العقل وسط جوقة الضجيج.
في النهاية، ليست الوطنية أن ترفع العلم على الشاشة، ولا أن تصرخ “تحيا الوطن” كل عشر ثوانٍ بين مقطع وآخر، بل أن تكون صادقاً، نزيهاً، عارفاً بما تقول، وأن تدرك أن حب الوطن لا يحتاج إلى بث مباشر… بل إلى ضمير مباشر.