في الجزائر… حتى المنابر تُصفّق للمنتخب!

بوشعيب البازي

منذ أيام، فوجئ الجزائريون بخطبة جمعة غير مسبوقة. لم تتحدث عن الأخلاق أو العدالة أو التضامن، بل عن… تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم.

فجأة، تحوّل المسجد إلى استوديو رياضي مباشر، والإمام إلى معلق كروي، يشرح للمصلين – وسط التكبيرات – كيف أن الفوز على بوركينا فاسو “نعمة من نعم الله على الأمة الجزائرية” وأن “السجود بعد الهدف” يساوي نصف عبادة.

في بلد يعاني من تضخم سياسي وديني في آن واحد، قررت السلطة أن تخلط “الآخرة” بـ “العارضة”، وأن تجعل من المنبر وسيلة تعبئة وطنية… لأجل مباراة.

من الخطبة إلى الخُطّة

في الجزائر الجديدة، كل شيء يصلح للدعاية، الغاز، الدبلوماسية، البطاطس… والآن كرة القدم. لكن الجديد هذه المرة أن وزارة الشؤون الدينية نفسها أصدرت توجيهاً رسمياً للأئمة لتخصيص خطبة الجمعة لموضوع “الانتصار الوطني وتأهّل المنتخب”.

نعم، لم يعد “الجمعة” يوماً للروح، بل أصبح يوماً للـ “VAR”.

ولم تعد الخُطبة تذكيراً بالموت، بل استعراضاً لأهداف محرز وبن ناصر.

الإمام في أحد مساجد العاصمة قالها دون تردد،“كما رفع محرز راية الوطن، فلنرفع نحن راية الإيمان”.

جملة ألهبت المصلين أكثر مما فعلت خطب السياسة منذ عهد بومدين.

تبون… رئيس كل المباريات وكالعادة، لا يمكن لأي مناسبة في الجزائر أن تمر دون إطلالة “أبو اللاعبين” عبد المجيد تبون.

الرئيس الذي لم ينجح في إصلاح الاقتصاد ولا في إقناع المعارضة، قرر أن يكرّس جهوده لملف أكثر أماناً: كرة القدم.

في اليوم الموالي للتأهل، دعا لاعبي المنتخب إلى القصر، ووشّحهم بوسامات رئاسية “من الدرجة الممتازة”، وكأنهم أنقذوا الأمة من الغزو.

تحدث تبون عن “فخر الجزائر”، وعن “الشعب الواحد الذي توحّده الكرة”، متجاهلاً أن الشعب نفسه لا يجد ما يوحّده في الخبز ولا في البنزين.

هكذا تتحول اللعبة الشعبية إلى مخدر جماعي تباركه الدولة وتباركه المساجد.

الروح الرياضية… بالفتوى

الطريف – والمثير للشفقة في آن – أن بعض الأئمة ذهبوا بعيداً في التأويل الديني للإنجاز الكروي.

قال أحدهم:

“إن الله يبتسم حين يرى الجزائر تفرح.”

وقال آخر:

“من يشجع المنتخب بصدق، فله أجر المجاهد في سبيل الوطن.”

تلك الفتاوى التي لا تجد طريقها لتبرير الفقر أو سوء التسيير، تجد فجأة شجاعة لاهوتية في دعم هدف في مرمى بوركينا فاسو.

منابر المساجد صارت تشبه نشرات الأخبار الرسمية: تبدأ بالدعاء وتنتهي بتصفيق جماعي.

الدين في خدمة الترفيه الوطني

ما يجري في الجزائر ليس مجرد انحراف ديني بل استثمار سياسي في العاطفة. السلطة التي فشلت في تعبئة الشارع عبر الخطاب الوطني أو الاقتصادي، تلجأ اليوم إلى الدين الكروي. فبدلاً من أن تكون المساجد فضاءً للوعي والنقد، تحوّلت إلى أداة تهدئة، تذكّر الناس بأن “النصر الكروي” يكفي بديلاً عن الخبز والحرية.

تأهل المنتخب أصبح – في الخطاب الرسمي – معجزة سماوية تُغسل بها خطايا الفساد الإداري.

الجزائر الجديدة… بشعار “صلّوا لأجل الهدف” في النهاية، لا أحد يعترض على الفرح.

كرة القدم جزء من الروح الوطنية، وللفوز طعمه في كل مكان. لكن حين تصبح المنابر جزءاً من الحملة، والفتوى تُصاغ على وزن النتيجة، والرئيس يُقدّس اللاعبين أكثر من العلماء، فإننا لا نعيش انتصاراً رياضياً، بل هزيمة فكرية بأناقة وطنية.

الجزائر اليوم تعيش زمن “الدين الكروي”، حيث الإمام محلل رياضي، والرئيس مدير فني، والشعب جمهور على المدرجات ينتظر “الهدف الإلهي” القادم.

ولعل السؤال الحقيقي ليس ، هل تأهلت الجزائر إلى المونديال؟

بل، هل خرجت من زمن الخلط بين المسجد والملعب؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com