في ليلة لا تُنسى من تاريخ الكرة المغربية، رفع أشبال الأطلس كأس العالم لأقل من 20 سنة، معلنين عن ولادة جيل جديد من النجوم الذين قد يعيدون رسم ملامح المجد الكروي للمغرب لعقدٍ قادم. هذا التتويج، الذي جاء بعد مسار استثنائي، لم يكن مجرد انتصار في المستطيل الأخضر، بل محطة رمزية في رحلة طويلة من البناء الرياضي الهادئ والممنهج.
من الحلم إلى الحقيقة
قبل عقد من الزمن، حين كان المغرب يستثمر في البنية التحتية الكروية عبر مشروع أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، لم يكن كثيرون يتوقعون أن ثمار هذا المشروع ستنضج بهذه السرعة. فجيل اليوم هو نتاج رؤية استراتيجية بعيدة المدى، جمعت بين التكوين الأوروبي الصارم والروح المغربية التي لا تعرف الاستسلام.
تكوّن هذا المنتخب من خليط متجانس من لاعبين نشأوا في مدارس محلية وأخرى أوروبية، ما منح المجموعة تنوعًا تكتيكيًا وثقافيًا قلّ نظيره في المنتخبات المنافسة.
تكتيك مغربي بنكهة عالمية
أبرز ما ميز أداء المنتخب المغربي خلال البطولة هو الانضباط التكتيكي الممزوج بالجرأة الهجومية. المدرب الوطني، الذي جمع بين هدوء التحليل وشغف الميدان، أدار مبارياته بعقلانية عالية. لم يكن يراهن فقط على المهارة الفردية، بل على المنظومة الجماعية التي تتحرك كآلة دقيقة تعرف متى تهاجم ومتى تتراجع.
هذا التوازن بين الدفاع والهجوم جعل المنتخب المغربي نموذجًا يُحتذى به في مدارس الكرة الحديثة، حيث لم يكتفِ بالفوز، بل أقنع الجماهير والنقاد على حد سواء.
رمزية التتويج
تتويج المغرب بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة لا يُقاس فقط بالميداليات، بل بما يحمله من رمزية وطنية ودبلوماسية. إنه تتويج لمشروع دولة جعلت من الرياضة رافعة للتنمية ومجالًا لتجديد الثقة في الشباب.
ولعل المشهد الذي سيبقى خالدًا في ذاكرة المغاربة هو عزف النشيد الوطني في النهائي أمام عشرات الآلاف، والدموع التي انهمرت من عيون اللاعبين وهم يرفعون العلم المغربي عاليًا، في لحظة تماهت فيها العاطفة بالوطنية والفخر بالانتماء.
الكرة المغربية في مفترق التحول
هذا الإنجاز التاريخي يضع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أمام تحدٍّ جديد: كيف يمكن الحفاظ على هذا الزخم وتحويله إلى قاعدة صلبة للمنتخب الأول؟
فالتاريخ علمنا أن الفوز بالمونديال لا يكفي، إن لم يكن مصحوبًا برؤية شمولية لإدماج هؤلاء الشباب في منظومة الاحتراف الحقيقي، سواء داخل البطولة الوطنية أو في الأندية الأوروبية. وهنا، يأتي الدور المركزي للسياسة الرياضية التي يقودها فوزي لقجع، والمبنية على الاستمرارية والتخطيط طويل المدى.
ما بعد المجد: مسؤولية جيل
أبطال اليوم سيصبحون خلال سنوات قليلة عصب المنتخب الوطني الأول. المسؤولية الملقاة على عاتقهم كبيرة، ليس فقط في الحفاظ على روح الانتصار، بل في ترسيخ هوية كروية مغربية قائمة على الانضباط، الجمال، والروح الجماعية.
إنهم جيل يحمل في قدميه شغف الأحياء الشعبية وذكاء مدارس أوروبا، جيل لا يعرف الخوف ولا يؤمن بالمستحيل.
تتويج المغرب بكأس العالم لأقل من 20 سنة هو أكثر من إنجاز رياضي؛ إنه إعلان عن بداية عهد كروي جديد، عنوانه: المغرب قوة صاعدة في سماء كرة القدم العالمية.
ولعل ما يجعل هذا الانتصار أكثر قيمة هو أنه لم يأتِ صدفة، بل كان ثمرة رؤية ملكية واضحة جعلت من الاستثمار في الإنسان المغربي حجر الزاوية لكل نهضة.
فمن أكاديمية محمد السادس إلى مدرجات الملاعب العالمية، كتب الأشبال فصلًا جديدًا في قصة وطن لا يتوقف عن الحلم… ولا عن الفوز.