«نجاح تبون في ما لم ينجح فيه أي رئيس جزائري … تفرقة بين الشعبين المغربي والجزائري»

بوشعيب البازي

منذ تولّيه رئاسة الجمهورية، اختار الرئيس تبون أن يعيد تسخين ملف الصحراء الغربية كركيزة لخطابه الخارجي والداخلي. وكما ترى دراسات متعددة، فإن العلاقة بين الجزائر والمغرب ليست «نزاعًا عاديا»، بل تحمل أبعادًا أيديولوجية وتنافسية هيكلية.

في هذا الإطار، يمكن القول ، بالرغم من تراجع الجزائر في بعض الجبهات (فقدان بعض النفوذ الإقليمي، تراجع تنسيقها مع شركاء تقليديين مثل روسيا وجزء من الانحسار التدريجي داخل منطقة الساحل) — فإنها نجحت إلى حدٍّ ما في ما لم ينجح فيه من سبقوه ، تحويل المغرب إلى «عدوّ مركزي» في الخطاب الداخلي الجزائري، واستثماره في خدمة بقاء النظام وتعزيز شعور الوحدة الداخلية عبر بناء «العدو الخارجي». وهذا ما يصفه بعض المراقبين بأنه «نجاح تكتيكي» على المستوى الداخلي. 

ملف الصحراء: خسارة استراتيجية، ووسيلة تفرقة

رغم أن الجزائر ظلت تدعم ­البوليساريو (Polisario Front) وتطرح نفسها كمنصة دولية لقضية الصحراء الغربية، إلا أن الواقع يشير إلى أنّ هذا الملف لم يتحول إلى نصر دبلوماسي حاسم لها. على سبيل المثال، انحسار دور الجزائر في الساحل، وظهور المغرب باعتباره شريكًا أكثر انفتاحًا على أفريقيا وأوروبا، يشير إلى «تراجع نجومية» الجزائر في المنطقة. 

من جهة أخرى، ترى بعض التحليلات أن الجزائر استعملت هذا الملف ليس فقط كقضية وطنية، بل كآلية لخلق تفرقة مع المغرب:

«The Algerian decision to sever ties with Morocco … is in many ways a non-event … the Algerian ruling elite to camouflage its failure to address its domestic challenges and meet the most basic needs of the Algerian people.» 

أي إنه بدل أن يفتح الباب للتسوية أو لإعادة بناء العلاقات، تمّ توظيف هذا النزاع كركيزة داخليّة لتوجيه الانتباه نحو العدو «المغرب» بدل معالجة الأزمات الداخلية.

العلاقات مع روسيا والشركاء: إخفاقات واضحة

من بين الملفات التي عانى فيها النظام الجزائري، تراجع الحضور الفاعل للشريك الروسي التقليدي في القضايا الإقليمية والاقتصادية لصالح ديناميكيات دولية وإقليمية جديدة. التحليل الحديث يشير إلى أن الجزائر «تضيّع المليارات لدعم البوليساريو من دون أن تحقق أي مكسب استراتيجي ملموس». 

بعبارة أخرى، توجه النظام الجزائري جزءًا كبيرًا من طاقاته ودعماته إلى الملف المغربي/الصحراء بدل استثمارها في شراكات اقتصادية أو تنموية أكثر إنتاجية، مما يعكس أن التركيز على الخصومة استنزف القدرات.

 خلق التفرقة بين الشعبين: الواقع والمواقع

أحد أبرز ما تحقق للنظام الجزائري، بحسب التحليلات، هو تحويل العلاقة المعقّدة مع المغرب إلى أداة لإثارة الشعور القومي الداخلي، وتغذية خطاب «المغربي العدو». ففي تحليل مفاده:

«Hostility toward Morocco functions as a surrogate for lost legitimacy. … deprived of a genuine unifying founding myth, Algeria’s leadership struggles to build a compelling national narrative, falling back instead on the rigid rhetoric of the independence war». 

وهذا يعني أن النظام استبدل مشروعًا وطنيًّا تنمويًّا بمشروع خصومة تُغذّيه وسائل إعلام ومواقع التواصل، وتحوّل علاقة بين دولتين إلى «عداء شعبي» يُسهّل تمرير سياسات داخلية.

كما أن مواقع التواصل، ومنصات رقمية، شهدت تفعيلًا لهذا الخطاب:

“My X feed has been recently flooded by hateful posts about Algeria … nearly thousands of accounts … the only posts were related to how bad we are.” 

بينما يرى بعض المغاربة أن الواقع «مبالغ فيه» وأن جزءًا من التوتر يُصنّع رقمياً عبر حسابات تُروّج هذه الخطابات. 

نتائج ما بعد التفرقة: كلفة اقتصادية ودبلوماسيّة

هذه الخصومة الممنهجة تركت آثارًا واضحة:

  • إغلاق الحدود البرّية منذ 1994 وما نتج عنها من خسائر تجارية وإنسانية.  
  • قرار الجزائر بفرض تأشيرات دخول على المغاربة عام 2024، في خطوة رمزية لزيادة التوتر.  
  • التركيز على «المغرب العدو» في الخطاب الرسمي قد زاد من العزلة الجزائرية الإقليمية، بينما المغرب توجّه نحو أفريقيا وأطلس الأطلسي والاستثمار. 
    من هنا، يمكن القول إن نجاح النظام الجزائري في «خلق التفرقة» جاء على حساب التكامل والتعاون مع الشريك الجغرافي، ما جعل الجزائر تدفع ثمنًا أكبر من المغرب في ملفَي التنمية والتأثير الإقليمي.

من تحقيق تكتيكي إلى فخ استراتيجي

في ضوء ما سبق، يمكن التوصّل إلى أن الرئيس تبون وحكومته نجحوا في تحقيق ما لم يحققه أي رئيس جزائري من قبل ، تحويل علاقة الجزائر والمغرب إلى أداة داخليّة لإعادة التثبيت السياسي. لكن هذا «النجاح» لا يبدو مستدامًا أو ذا قيمة استراتيجية حقيقية:

  • لم تُحقق الجزائر نصرًا في ملف الصحراء، والأمم المتحدة لا تزال تراعيها قضية مفتوحة.
  • الخلاف مع المغرب وحلفائه انعكس على فرص الجزائر التنموية والدبلوماسية.
  • الاعتماد على سياسة العداء كلما بدت الأزمة الداخلية قادمة، ليس وصفة نمو أو استقرار بل وصفة أزمة مزمنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com