المغرب… نحو استقرار متجدد برؤية شبابية وإصلاحات شاملة

بقلم: بوشعيب البازي

يسير المغرب بثقة في اتجاه مزيد من الاستقرار السياسي والاجتماعي، عبر خطوات مدروسة تستند إلى رؤية ملكية واضحة تضع الإنسان المغربي، خصوصاً الشباب والمرأة، في صلب مشروع التنمية الشاملة. هذه الرؤية التي يقودها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، أفرزت نموذجاً مغربياً مميزاً في الإصلاح، يوازن بين الاستقرار السياسي والانفتاح على المستقبل.

لقد وفّر ما حدث أخيراً من احتجاجات سلمية شبابية في عدد من المدن المغربية، حيث طالب شبان من “جيل Z 212” بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير فرص العمل، فرصةً ثمينة لصياغة مقاربة جديدة تُعيد ترتيب الأولويات الاجتماعية وتؤكد أن رأس المال البشري هو حجر الزاوية في التنمية المندمجة الجديدة.

رؤية ملكية تضع المواطن في قلب السياسات العمومية

جاء البيان الصادر عن الديوان الملكي المغربي بعد الاجتماع الوزاري الأخير برئاسة الملك محمد السادس ليؤكد بوضوح أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة رفاه المواطن المغربي.

فالمملكة تسعى إلى تنمية شاملة تدمج كل القطاعات المنتجة، وتسير بسرعة واحدة في مختلف الجهات، بما يضمن عدالة مجالية حقيقية ويقوّي ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.

الأولوية اليوم واضحة: تمكين الشباب، المساواة بين الجنسين، وتوسيع المشاركة السياسية، وهي محاور تتناغم مع الرؤية الملكية لإرساء مغرب جديد يتسع للجميع ويقوده شبابه إلى المستقبل.

الموازنة الجديدة: استثمار في الإنسان قبل كل شيء

بتوجيهات ملكية مباشرة، رفعت الحكومة المغربية في موازنة سنة 2026 الإنفاق العمومي في مجالي الصحة والتعليم إلى نحو 15 مليار دولار، وهي زيادة غير مسبوقة تعكس الوعي الرسمي بالحاجة إلى معالجة الثغرات الاجتماعية التي تهمّ فئة الشباب.

لا أحد في المغرب ينكر وجود تحديات في التشغيل والتعليم، لكن الجديد هو أن الإرادة السياسية لمعالجتها صارت ملموسة. فالمغرب لا يهرب من الواقع، بل يواجهه عبر إصلاحات هيكلية تستهدف القطاعات الحيوية التي تمسّ حياة المواطن اليومية.

الشباب في قلب الحياة السياسية

يدرك المغرب أن بناء المستقبل لا يمكن أن يتحقق دون فتح آفاق السياسة أمام الشباب. لذلك، ستكون انتخابات 2026 موعداً مفصلياً في تاريخ المشاركة السياسية المغربية، إذ سيُفتح الباب أمام جيل جديد من الفاعلين السياسيين، شباباً ونساءً، ليكتبوا فصلاً جديداً في مسار الديمقراطية المغربية.

هذا التوجّه ليس وليد اللحظة، بل يجد جذوره في الاستفتاء على الدستور الجديد سنة 2011، الذي وضع أسس تحديث الحياة السياسية المغربية وأعاد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن. واليوم، يُراد للجيل الجديد أن يكون فاعلًا لا متفرجًا في العملية الديمقراطية.

تمكين المرأة… شرط للتوازن والتنمية

لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية فاعلة دون ضمان حضور المرأة المغربية في مواقع القرار. فالمرأة هي نصف المجتمع، ومشاركتها في السياسة والاقتصاد ليست مطلباً حقوقياً فقط، بل مصلحة وطنية تعزز التوازن الاجتماعي والسياسي.

من هنا، فإن الإصلاحات الانتخابية المقبلة مطالبة بتكريس مبدأ المساواة في التمثيلية، سواء عبر لوائح خاصة أو آليات تحفيزية تضمن حضوراً نسائياً وازناً داخل المؤسسات المنتخبة.

الاقتصاد في خدمة الشباب

يُدرك المغرب أن تمكين الشباب لا يمرّ فقط عبر صناديق الاقتراع، بل أيضاً عبر خلق فرص عمل حقيقية في قطاعات جديدة.

ومن هنا تأتي أهمية المشاريع الاستثمارية الكبرى، مثل افتتاح مصنع “سافران” لصناعة محركات الطائرات قرب الدار البيضاء، وهو مشروع عالمي يؤشر على دخول المغرب مرحلة جديدة في علاقة الشباب بالصناعة والابتكار والعمل المنتج.

هذا المشروع ليس مجرد استثمار أجنبي بمئات ملايين الدولارات، بل هو رمزٌ لانتقال المغرب من منطق الاستهلاك إلى منطق الإنتاج، ومن الاعتماد على الخارج إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة والكفاءات الوطنية.

تثبيت الاستقرار في محيط مضطرب

في عالم يعجّ بالتقلبات الإقليمية، استطاع المغرب أن يكرّس مكانته كجسر بين أوروبا وإفريقيا، وأن يثبت نموذجاً فريداً في الاستقرار والإصلاح الذاتي.

ومع اقتراب الذكرى الخمسين لـ”المسيرة الخضراء”، يعيش المغرب لحظة واثقة من تاريخه، لحظة انتصار دبلوماسي وتنموي تُترجمها المشاريع والمبادرات الواقعية لا الشعارات.

هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا العلاقة المتينة بين الملك والشعب، علاقة تقوم على الثقة المتبادلة والصراحة، وتشكل جوهر النموذج المغربي الذي حوّل المملكة إلى واحة استقرار وازدهار في شمال إفريقيا.

مغرب المستقبل يُكتب الآن

يسير المغرب اليوم على طريقٍ واضح المعالم: الإصلاح من الداخل، وتحصين الاستقرار بالمشاركة والعدالة الاجتماعية.

إنه مسار يضع الشباب في قلب السياسة، والمرأة في قلب التنمية، والمواطن في قلب الدولة. ما يحدث اليوم ليس مجرد إصلاح إداري أو تعديلات ظرفية، بل تحول بنيوي عميق يهدف إلى تجديد النخب وبناء مغرب جديد أكثر عدلاً وابتكاراً. إنه مغرب يكتب فصله القادم بثقة، بين يدَي ملك يؤمن بقدرات شعبه، وشعبٍ يؤمن أن مستقبله بين يديه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com