ناصر بوريطة.. مهندس الدبلوماسية المغربية الذي أربك الجزائر والبوليساريو وأعاد صياغة معادلة الصحراء
بقلم: بوشعيب البازي
في الوقت الذي تواصل فيه الدبلوماسية المغربية تثبيت حضورها الوازن في المحافل الدولية، تبدو الجزائر وجبهة البوليساريو في حالة من التيه السياسي غير المسبوق. فقد تحوّل وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إلى أحد أبرز الفاعلين في رسم ملامح التوازن الجديد بشمال إفريقيا، بعد أن أرغم خصوم المغرب على الاعتراف بواقع جديد عنوانه الكبير، “المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الحل الوحيد الواقعي والنهائي لقضية الصحراء المغربية.”
دبلوماسية متوازنة… وواقعية صارمة
منذ توليه حقيبة الخارجية، قاد ناصر بوريطة سياسة خارجية تقوم على مبدأ “الوضوح الاستراتيجي والواقعية السياسية”. هذه المقاربة مكّنت المغرب من إعادة توجيه النقاش الدولي حول الصحراء من خانة “النزاع المفتعل” إلى فضاء الحلول العملية، حيث أصبح المقترح المغربي للحكم الذاتي معتمدًا كمرجعية أساسية داخل مجلس الأمن، وأساس كل مبادرة أو نقاش جدي حول مستقبل الأقاليم الجنوبية.
ويُحسب لبوريطة أنه استطاع، بذكاء سياسي ودبلوماسي رفيع، أن يخلق توازنًا دقيقًا بين الانفتاح على القوى الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا) والاشتغال في العمق الإفريقي، حيث نجح المغرب في توطيد علاقاته داخل الاتحاد الإفريقي بعد سنوات من التهميش، وجعل من قضية الصحراء محورًا للتعاون الإقليمي لا للتنازع.
الجزائر… خارج الزمن السياسي
في المقابل، تبدو الجزائر وقد فقدت البوصلة. فبعد خمسين سنة من الدعم غير المشروط لجبهة البوليساريو، تجد نفسها اليوم أمام جدار الواقع الدولي الجديد، حيث لم تعد الأمم المتحدة ولا القوى الكبرى مستعدة لتضييع مزيد من الوقت في نزاع متجاوز.
لقد راهنت الجزائر طويلاً على خطاب “تقرير المصير” و”الاستفتاء”، لكنها اليوم تواجه إجماعًا دوليًا يكرّس المقاربة المغربية كحلٍّ وحيد ذي مصداقية. ومع كل تحرك مغربي جديد، تزداد عزلة النظام الجزائري الذي اختار الصدام بدل الحوار، والتصعيد الإعلامي بدل الواقعية السياسية.
البوليساريو… فقدان البوصلة ومحاولات عبثية
أما جبهة البوليساريو، فقد عادت مؤخرًا إلى واجهة الأحداث ببيان وُصف بـ”المقترح الموسع”، محاولةً تقديمه كإطار جديد للنقاش حول قضية الصحراء المغربية. لكن البيان، الذي جاء باهتًا ومضللًا، لم يُحدث أي أثر حقيقي، بل كشف عمق الارتباك داخل قيادة الجبهة وفقدانها لأي رؤية سياسية واضحة.
يقول مراقبون إن هذا “المقترح” ليس سوى مناورة قديمة جديدة من صناعة المخابرات الجزائرية، تهدف إلى كسب الوقت والهروب من المقاربة الدولية الجديدة التي تفرض الواقعية كمرجع وحيد للتفاوض. فالجبهة، المعزولة دبلوماسيًا والمتجاوزة ميدانيًا، تحاول عبثًا إحياء نقاشات من الماضي عبر شعارات فقدت صداها أمام منطق التنمية والاستقرار الذي يرسخه المغرب في أقاليمه الجنوبية.
نجاح مغربي وواقعية دولية
على الأرض، يواصل المغرب ترسيخ تنميته في الصحراء من خلال مشاريع كبرى في الداخلة والعيون، ومناطق اقتصادية متكاملة جعلت من الأقاليم الجنوبية نموذجًا في الأمن والاستثمار والبنية التحتية.
هذا النجاح الميداني ترافق مع تأييد دولي واسع لمبادرة الحكم الذاتي، حيث عبّرت أكثر من 85 دولة عن دعمها الصريح للمقترح المغربي، وافتتحت أكثر من 30 دولة قنصلياتها في العيون والداخلة، في اعتراف ضمني بالسيادة المغربية الكاملة على الإقليم.
بوريطة… “العدو الأول” للمخططين
لم يكن غريبًا أن تُصنّف الجزائر والبوليساريو ناصر بوريطة كـ“العدو الأول” لمشاريعهما الانفصالية. فالرجل، الذي جمع بين الصرامة الهادئة والدبلوماسية الذكية، استطاع أن ينزع ورقة “المظلومية” من يد خصوم المغرب، ويحوّل الملف من نزاع مفتعل إلى قضية سيادة وطنية تُدار وفق القانون الدولي وبمنطق التنمية والاستثمار.
إن التحركات المكثفة التي يقودها بوريطة في العواصم الكبرى لم تأتِ من فراغ، بل من رؤية ملكية واضحة تجعل من الدبلوماسية المغربية ركيزة أساسية لترسيخ الوحدة الترابية للمملكة.
وفي ظل هذا الزخم، بات واضحًا أن الجزائر والبوليساريو معًا يواجهان عزلة خانقة، بينما يمضي المغرب بثبات نحو مرحلة الحسم السياسي النهائي لقضية الصحراء المغربية.
لقد تحوّل ناصر بوريطة من مجرد وزير خارجية إلى رمز لمدرسة جديدة في الدبلوماسية المغربية ، مدرسة تقوم على الإقناع لا الصدام، على البناء لا الهدم، وعلى احترام السيادة الوطنية دون التفريط في الواقعية الدولية.
وفي زمن فقدت فيه الجزائر والبوليزاريو البوصلة، يظل المغرب، بقيادته الحكيمة ودبلوماسيته المتبصّرة، يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ الحقيقة التي لا تقبل الجدل: الصحراء مغربية… وستبقى كذلك إلى الأبد.